د. مرتضي الغالي
أطلعني صديق صدوق على خبر (ومعه صورة)، ويقول الخبر إن “علماء السودان” احتجوا على حل هيئتهم بقرار من مجلس السيادة بسبب موقفهم المضاد للتطبيع مع إسرائيل..! نظرت إلى الصورة فوجدت مبنى عليه لافتة مكتوب عليها بالخط العريض بالعربي (هيئة علماء السودان ــ الأمانة العامة) وتحته بخط مماثل (سودان سكولار كوربريشن) بالإنجليزية يا مُرسي..! قلتُ بسم الله ما شاء الله.. ما هو إنتاج هذه الهيئة؟ وما هو حقيقة عملها؟ ومَنْ الذي قام بتشكيلها وأعطى أصحابها حق أن يطلقوا على أنفسهم صفة العلماء؟ وما هي تخصّصاتهم يا ترى..؟! ولنا كامل الحق في هذه التساؤلات لأن الهيئة تسمّت بمصطلح (علماء السودان) من غير تحديد لعلماء (في ماذا)..؟! وإذا كان هؤلاء النفر هم (مُطلق علماء) فهذا يستلزم أن يطالب بالانضمام إلى هيئتهم علماء الطب والطاقة النووية والنانو والبيئة والكيمياء والاجتماع والفيزياء واللغة والفلسفة والغابات والسايكولوجي والبايولوجي والغدد الصماء…الخ!.
ثم نأتي إلى حكاية (علماء الكوربريشن) المُحتجين وحقيقة قولهم أن حل هيئتهم كان بسبب رفض التطبيع مع إسرائيل..! والحقيقة أن حل هيئة (العلماء من منازلهم) كان بسبب (تطبيعها مع ظلم الإنقاذ) وصمتها عن الحق وعن إهدار الدم وسرقة موارد البلاد وإذلال العباد والسكوت على فساد، جماعة دمرت البلاد وانتهكت الحقوق وقتلت وشردت وطردت مئات الآلاف من وظائفهم وأهلكت الحرث والنسل، و”علماء السودان” ساكتون، ساكنون في هيئتهم (لا يهشون ولا ينشون) بل إن عضويتهم سارت في ركاب تزيين باطل الإنقاذ وأفتت للحاكم بجواز قتل (مقدار معقول) من الشعب لأنها ولي الأمر وحامي الشرع..! ولم يسمع السودانيون المكلومون أيام الهول والتقتيل المروّع والسرقات البلقاء كلمة واحدة منهم أمام السلطان الجائر والسفاحين الذين كانوا يقومون بالتعذيب والقتل واغتصاب النساء والرجال داخل أقبية السجون وسحق الصبايا بالمجنزرات، وليت هذه الهيئة قالت كلمة واحدة خجولة ليس بانتقاد ما تفعله الإنقاذ بل في مخاطبتها بنصح رفيق رقيق يحفظ لعلمائها مرتباتهم ومخصصاتهم وسياراتهم ولا يعرّضهم للتنكيل، فكلٌ ميسّر لما خُلق له، إذن لكان لهم العذر والصفح الجميل..!!
يفتح الله.. هذا التفاف على الحقيقة ولا ينبغي لكم أن تنسبوا حل هيئتكم بذريعة الإعلان عن رفض التطبيع مع إسرائيل، والحقيقة أنكم قمتم بالتطبيع مع القتل والسرقة والفساد وخطف الشباب من بيوتهم وشحنهم إلى محرقة الحرب؛ وطبعتم مع الظلم البيّن ومع نهج الإنقاذ في الرشوة والمحاباة وحرمان المواطنين من حقوقهم المشروعة ومع التمييز وتجيير موارد البلاد لفئة دون الآخرين، ولم تشغلوا أنفسكم بمواساة الضحايا أو إغاثة المظاليم أو الحث على إقامة موازين العدل والإنصاف، أذكروا لنا موقفاً واحداً لهذه الهيئة خلال ثلاثين عاماً هي أعوام (الجور الأعظم) حتى تجدوا شفاعة ولو من مواطن واحد وقفتم معه أمام سلطان وأعوان جميعهم ظلمة فاسدون..!!
التطبيع مع إسرائيل ــ يا سادة ــ قضية سياسية وليست دينية وقد وقف ضد التطبيع أفراد وجماعات داخل الحكومة (ولم يحلهم أحد) ولا مجال للتغطية واللف والدوران حول سبب حل هيئتكم لتجعلوا من رفض التطبيع (سبوبة)..! ثوبوا إلى ربكم وتوبوا إليه، فقد انتهى عهد التكسّب بالدين الذي تم التحذير منه بأقوى نذير وأشد نكير لأنه يقود المتاجرين به إلى سوء المصير، وحتى في الغرب ينسبون للرئيس فراكلين روزفلت قوله إن استغلال الدين هو (الملاذ الأخير للأوغاد)..!!
صحيفة السوداني