عينك في الفيل

صديقة حكت انها عندما كانت صغيرة كانت تشترك مع أطفال الشارع على استغلال جار لهم.. الجار ابتلاه الله بادمان الخمر.. فكان يأتي في وضح النهار وهو يترنح من السكر.. وقد اعتاد ان يحمل معه كيساً ورقياً مليئاً بنوع من الفاكهة.. برتقال او موز او مانجو.. الرجل لم يكن يستطع التحكم في مشيته نسبة لشدة سكره.. فيزداد تمايله .مما يجعل الفاكهة تتساقط كلما اقترب من منزله.. صديقتي قالت انهم كانوا ينتظرون عودته لالتقاط الفواكه.. غنيمة باردة.. يأكلونها وهم يضحكون .
تذكرت قصة صديقتي وأنا أتابع الحملة الاسفيرية على الجارة مصر.. وكيف انها تستغل مواردنا وتشتري بضائعنا القيمة بثمن بخس.. وتعطينا بدلاً عنها (شيبس ولبان )..شئ غريب جداً.. ترى ما الذي كنا نتوقعه ؟ ان يقول لنا المصريون لا تبيعوا بضاعتكم باسعار رخيصة ؟ بالله عليكم لا ترسلوا لنا الماشية حية لأننا نستفيد منها أقصى استفادة؟.. نأكل لحومها ونصدرها.. نستخدم جلودها في صناعة الأحذية والحقائب ولا نلقي بالقرون والأرجل الى القمامة .بل نرسلها لمصانع الزراير!.. حتى الدماء والامعاء نستفيد منها في الصناعة الطبية !..هل كنتم تتوقعون ذلك ؟ لن يحدث.. لا من مصر ولا من غيرها من البلاد.. ببساطة لأن (القانون لا يحمي المغفلين ). المصريون لم يضربوا أحداً على يده لكي يقبل باتفاقيات تسمح لهم بشراء المواد الخام من بلادنا.. كذلك لم يضغطوا على احد لكي يستبدلونها ببطاطس وعلكة..كل هذه الاتفاقيات تمت برضاء الطرفين.
من المهم ان نعلم انه لا يوجد شئ في السياسة اسمه الاخوة والعشرة.. والتاريخ المشترك.. والقصص دي.. السياسة مثل التجارة تحكمها المصلحة.. والمصلحة فقط.. لذلك يجلس الجانب المصري مع السوداني عند كل اتفاقية .وفي بالهم الخروج بأقصى الارباح لبلادهم واقل الخسائر.. وهو المطلوب والمتوقع والعادي في كل العالم.. الا نحن فوق عزنا وقبائل ما بتهزنا.. نتنازل ونمنح ونبيع بأقل الاسعار.. ونقبل بأي بديل.. ومن ثم بعد ذلك نعود الى أهلنا لنبكي ونملأ الأسافير ضجيجا بأن المصريين استغفلونا.. وباعوا لينا (الترماي).
قرأت مقالاً في الفترة الماضية يتحدث عن (السياسة بالبغر).. ويعني بالبغر الغيرة الحميدة.. تلك التي تثير حماستك للتغيير واللحاق بركب ذلك الذي اثار عندك ذلك الشعور.. لا أدري لماذا لا يبغر أولئك الذين يكتبون ضد مصر ؟ لماذا لا ينظرون بعين الغيرة الحميدة ويسألون أنفسهم.. ما الذي يوجد هناك في شمال الوادي ولا يوجد هنا ؟ أنا.. أجيب.. يوجد هناك الاتقان وحب بلادهم.. وأنا أتحدث وقد زرت مصر حديثاً.. فلم أجد مصرياً لا يجيد صنعته.. الحداد والنجار.. والبواب.. والجزار.. حتى بائعة الخضار.. تغسله وترتبه وتنظفه.. واذا طلبت منها خدمة زائدة.. فعلتها بابتسامة.. وتلقت أجرها وهي تشكرك وتحمد الله على النعمة.. يحبون بلادهم ويفعلون كل شئ لأجلها.. .وهذا ما نفتقده للأسف
ان كان هناك من يستحق ان نلقي عليه لعناتنا.. هو ذلك الذي اجتهد في تبخيس ثرواتنا.. وباعها دون ان يهتز له جفن.. ذلك الذي لم يستمع لنداءاتنا ونحن نقول.. لا تصدورا الحي من الماشية واستفيدوا منها داخل البلاد.. ذلك الذي أكمل ايجار الأراضي لعشرات السنين بمقابل لا يقيم أود أسرة دعك من وطن.. كل الذين فعلوا هذه الافعال.. سودانيون من بلدنا.. يحملون الجواز السوادني.. ويجلسون معنا حول صينية الغداء.. ويشاركوننا في الأفراح والأتراح.. يمارسون هذه الافعال كل يوم.. يسربون ويهربون.. وبيخسون في الاسعار.. هؤلاء هم الاعداء حقا.. اما المصريين فقد وجدوا فرصة فاستغلوها.. ولو لم ينتهزونها هم لفعلها غيرهم.. فنحن صرنا كذلك الرجل المترنح الذي تتساقط منه الفاكهة يميناً وشمالاً.. هل تلقى اللوم على ذلك الذي يلتقطها ؟ أم اللوم على الذي يحمل بين يديه ثروة لا يعرف قيمتها ولا كيف يحافظ عليها.

***********

ناهد فرناص – صحيفة الجريدة

Exit mobile version