رأي ومقالات

سباحة ضد تيار انفلات سعر الصرف


تأثير تحويلات المغتربين ليس بالضخامة التي يصورها البعض ، فهذه الأموال يتم استخدام قيمتها في استيراد بضائع يطلبها السوق فعلا ، إذن الفارق ليس كبيرا إن تم تحويلها إلى السودان و من بعد يتم تحويلها إلى الصين ، أو تم تحويلها مباشرة من الخارج إلى الصين بدون المرور بالسودان . لأن التاجر الذي يود استيراد بضائع من الصين سيشتري الدولار من المغترب سواءا كان داخل السودان أو خارجه …

إذن العقدة ليست تحويلات المغتربين بقدر ما هي الفارق بين عائدات الصادر و احتياجات الوارد .
في العام 2019 صادراتنا بما فيها عملات المغتربين كانت 5 مليار دولار و وارداتنا بلغت 9 مليار دولار بعجز بلغ 4 مليار ، هذا العجز هو الذي يحط من قيمة الجنيه …
هل هذا يعني أن تجار العملة ليس لهم دور في انخفاض قيمة الجنيه ؟؟
بالتأكيد لا .
لهم دور كبير بالمضاربة في العملة و شراء و تخزين كميات كبيرة منها ، و ارتفاع سعر الدولار يدفع بعض المواطنين لإدخار أموالهم بالدولار بدلا عن الجنيه المتهالك .
فتجار العملة أصبحوا قوة ضاربة و تمكنوا من امتلاك كل احتياطات البنك المركزي ، و هم يقومون بدور الصرافات، لكن بصورة عشوائية مضرة للاقتصاد . حتى الحكومة تشتري منهم العملة بصورة أو بأخرى …
إذن ما هو الحل ؟؟
خطوة تعويم الجنيه مهمة للاستقرار الاقتصادي ، لكن لابد من إجراءات إدارية و قانونية تساعد على سرعة الاستقرار ، و التقليل من حدة الصدمة …
– سرعة الحصول على قرض أو وديعة لتكوين احتياطي نقدي يلبي احتياجات الاستيراد للنصف الأول من العام على الأقل ، و يردم الفجوة في العجز …
– إيقاف طباعة الجنيه فورا ، والا يتم ذلك إلا بايداع قيمة المبلغ المراد طباعته ذهبا ، في البنك المركزي ، هذا الأمر سيرفع من قيمة الجنيه و يعمل على استقراره ….
– التوسع الراسي و الأفقي في الضرائب ، يعتبر السودان من أقل دول المنطقة تحصيلا للضرائب ، و هذا هو سبب استمرار الطباعة لقلة الإيرادات الحكومية .
– اصلاح البنوك و متابعة عملها ، و مطالبتها ب (الايزوا) خلال فترة محددة ، وأي بنك يفشل في رفع مستوى ضبط الجودة يتم سحب ترخيصه فورا .
– تجارة العملة أصبحت مهنة أساسية للكثير من التجار ، و من الصعب منعهم من ممارستها، إلا بتكلفة عالية جدا . لذا يجب تسهيل فرص فتح شركات الصرافة ، بعد وضع مبلغ من العملة الحرة كأمنية في بنك السودان على الا تقل الأمنية عن مائة ألف دولار ، وذلك حتى لا تكون فوضى و يقوم كل من هب ودب بفتح صرافة . هذه المبالغ يمكن أن تكون احتياطي نقدي مناسب في بنك السودان ، فيقوم البنك باغراق السوق عندما يحس بأن هناك طلب عالي على الدولار ، حتى يوازن السعر التأشيري ،و يمنع السوق من الارتفاع المفاجي . و كذلك يقوم بامتصاص و شراء العملة المعروضة اذا حس بأن هناك مبالغ كبيرة معروضة ، وذلك حتى لا ينخفض سعر الدولار فجأة و تخسر الصرافات ودائعها …
يقوم البنك المركزي بطبع دفاتر و إيصالات مالية متسلسلة و مختومة بأسماء الصرافات ، على نسق دفاتر المحامين التي تطبعها وزارة العدل . يتم توزيع هذه الايصالات على الصرافات ، ولا يتم صرف أي مبلغ مالي بدون تحرير إيصال بقيمة المبلغ وتاريخ الصرف و سعر الصرف اذا كان شراءا …
يجب سن قوانين رادعة تمنع تداول العملات الحرة بين المواطنين أو التجار بدون مستندات توضح مصدر الأموال …
في حالة وصول أي شخص إلى السودان من الخارج و بحوزته عملات حرة ، فإما أن يستبدلها بالجنيه في صرافات المطار ، أو يتم تسجيلها بواسطة الجهات الرسمية في المطار و أخذ إيصال بقيمة المبالغ ، على ألا تتجاوز أل10 الف دولار …
الجدية في تنفيذ هذه الإجراءات سيعمل على استقرار العملة و تجفيف تجارة العملة خارج الأطر الرسمية . و بمرور الوقت سيتعود المغتربين على تحويل أموالهم بواسطة البنوك و الصرافات التي تنتشر في كل مدن السودان . وكذلك سيتعود التجار على شراء احتياجاتهم مباشرة من البنوك و الصرافات ، بل وتحويل أموالهم إلى أي مدينة في العالم بكل سهولة ويسر ، و برسوم رمزية لا تتجاوز ال 1% .
هذه الإجراءات ستشجع المستثمرين للعودة إلى السودان ، والاستثمار في كافة المجالات طالما أن العملة الحرة متوفرة و يمكنهم أخذ أموالهم متى شاءوا .
اتباع هذه الإجراءات و إجراءت أخرى يراها الخبراء، ستعمل على استقرار العملة في فترة وجيزة . لكن استمرار التعويم بدون اتخاذ أي إجراءات ادارية أو قانونية سيكون كارثة على البلاد و المواطن .

سالم الأمين بشير
22 فبراير 2021