أقدم وزير المالية د. جبريل إبراهيم علي خطوة ستكلفه الكثير جداً ، قد تعجل برحيله من المشهد السياسي الوطني كله ، لإرتكابه أكبر موبقة إقتصادية لم تحدث في تاريخ السودان ولم يسبقه إليها سابق ، بإستسلامه بسهولة و تنفيذ شروط البنك و صندوق النقد الدوليين ، و إنفاذه لسياسات حكومة هو أول العالمين بأنها مرهونة القرار للخارج ، و تديرها حفنة من العملاء الأُجراء تحركهم الدوائر الغربية و يتلقون منها الأوامر ، وحتي لا نتهجم عليهم ، فليراجع د. جبريل تصريحات السفراء الغربيين بالخرطوم منذ تشكيل الحكومة في أغسطس 2019 حتي اليوم ، حول الكيفية التي يتم بها إصلاح الإقتصاد السوداني .
لم يأت د. جبريل بجديد … و لم تترك له فرصة حتي للتعبير عن أفكاره ، وقع في الفخ مباشرة ، و تبني السياسات الإقتصادية و المالية لحكومة حمدوك السابقة ، و وجد ( الروشتة ) جاهزة ، فعمد إلي تنفيذها ( و جاء من الآخر ) و تم تعويم الجنيه في أسوأ تقدير إقتصادي و سياسي ، وهذا سيدمر البلاد و لن تستطيع أية حكومة مهما فعلت من إنتشالها من تلاطم الكارثة التي ستحل به ، لو تروي د. جبريل وزير المالية ، وامعن فقط في تاريخ الانقاذ التي كان يناصبها العداء وحمل ضدها السلاح ، فإن نظام الإنقاذ كما يقول خبير إقتصادي كبير ، إعتمد (14) برنامجاً إقتصادياً بدأ بإقرار عبد الرحيم حمدي لسياسة إقتصاد السوق ، تحاشت الإنقاذ تعويم سعر الجنيه بجعل سعر الصرف حراً متروكاً للعرض الطلب وفق حركة السوق ، و رفضت في كل الأحوال الخضوع لإشتراطات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ، و كانت تخرج ببراعة من هذه المطبات و ترفض الإملاءات بحذق و مهارة سياسية و إقتصادية ، لأن العقل الإقتصادي في تلك الحقبة كان يعلم أن تحرير سعر الصرف أو تعويم الجنيه دون وجود إحتياطات نقدية في بنك السودان تسد الفجوة و العجز في ميزان المدفوعات مع زيادة العائدات من الإنتاج وتحسن الدخل القومي ، ستقع الكارثة التي لا قرار لها و لا نهاية ، و سيتوحش الإقتصاد إلي حد الفجيعة و مص الدماء .
ومن عجب ان السيد وزير المالية ، لم يسأل حتي و لم يستشر الخبراء ، إذ لم نلحظ له أو نتابع أية لقاءات و مشاورات عقدها مع الخبراء الإقتصاديين و الماليين و أهل الخبرات السودانية من ذوي الدراية بأمراض و علل الإقتصاد السوداني و سياسات المؤسسات المالية الدولية ، لجأ السيد الوزير للخيار الذي هربت منه راوغت ، وزيرة المالية المكلفة السابقة هبة محمد علي التي إستلم منها وزارة المالية ، فهبة كما تقول سيرتها المهنية عملت في البنك الدولي و ظلت ملتزمة بشروطه و وفية له ، لكنها تحاشت التورط في عملية تعويم الجنيه ونجت بجلدها وتركت د. جبريل يبتلع الطعم ويقع في أنشوطة المصيدة .
لو سأل د. جبريل و تشاور ، لتأنّي وترّيث قليلاً ، فالحكومة الآن بلا إحتياطات نقدية في المصرف المركزي ، و لا توجد أية مؤشرات بدعم مالي كبير يغطي العجز في الميزانية الذي يزيد عن الخمس مليارات دولار ، ولا توجد اية موارد خارجية من دول داعمة او منظمات أو قروض تغطي هذا المبلغ ، و تراجعت عائدات الصادر ، و تقهقر الإنتاج إلي الوراء ، و لا توجد إستثمارات خارجية .. و ليست متوقعة في ظل الاحتقان السياسي و أزماته و مواجهاته المتوقعة ، كما إنهارت دولة القانون و المؤسسات وفُقدت الثقة في القضاء و بقية الأجهزة العدلية و عمّ الفساد المالي و الإداري ، وتغوّلت السياسة علي الخدمة المدنية و الجهاز المصرفي و العدلي ، و لم يعد هناك ما يغري المستثمر الأجنبي بإستثمار أمواله في بلد لا إستقرار فيه ، و لا تملك حكومته برنامجاً للإصلاح الإقتصادي و السياسي ، ولا تتوفر علي رؤية لمشروع وطني يقود للتعافي و الإستقرار وهو المدخل الصحيح للنهضة الإقتصادية .
سيدفع د. جبريل الثمن غالياً في صورته العامة و مستقبله السياسي ، حيث غامر و انخرط في مشروع إقتصادي لحكومة تديرها السفارات الغربية ، و بصّم بالعشرة علي مشروع تدميري للإقتصاد ، ورطّته فيه دوائر و جهات تعمل مع رئيس الوزراء و وزارة المالية في عهد هبة و د. إبراهيم البدوي ، وتعمل كذلك مع البنك و صندوق النقد الدوليين ، فهم من أعدّ الميزانية الحالية ، و صوّر للوزير الجديد أن الطريق من هنا ، و اقنعوه بانه من بطن هذه الروشتة الدولية و رحمها الحرام سيولد الحل…! ليتك يا جبريل إنتبهت .. و لكن هيهات .. و لات حين مندم ..!
الصادق الرزيقي