تم تعويم الجنيه عمليا واعلانه رسميا سيغير قواعد اللعبة.. لا يبدو أن 600 جنيه للدولار سعر صرف مبالغ فيه بعد بضعة أشهر

تعويم المعوم ما هو بـتحصيل حاصل:
🔴 يمكن القول ان الجنيه السوداني قد تم تعويمه في الماضي القريب إلى حد كبير. اتخذت الحكومة نهجًا تدريجيًا بـالتعويم على مراحل لتجنب رد فعل شعبي قد يأتي عنيفا.

🔴 تم تعويم الجنيه عمليا مع برنامج المحفظة بالإضافة إلى السماح للبنوك التجارية بشراء تحويلات المغتربين بسعر يقارب سعر السوق الاسود.

🔴كما تبدو الأمور، فإن السعر الرسمي غير الواقعي ليس أكثر من مجرد رقم محاسبي يستخدم فقط في دفاتر الحكومة لتحويل المساعدات الأجنبية إلى ما يعادلها بالعملة المحلية وهذا ما يزيد من إصرار الجهات المانحة علي التعويم حتى تنتفخ ورميا قيمة دعوماتهم.

🔴فهل يعني واقع التعويم الفعلي أنه لن يتغير شيء عندما تعلن الحكومة رسمياً تعويم الجنيه؟ الجواب لا ، سيكون التعويم الرسمي للجنيه قرارًا جوهريا سيغير قواعد لعبة الاقتصاد السوداني. تأتي أهمية قرار تعويم المعوم عبر قناتين رئيسيتين، من بين أمور أخرى.

🔴أولا الدخول المقنن للبنوك التجارية ، الأجنبية والوطنية ، في سوق الصرف الأجنبي المحرر سيخلق طلبًا إضافيًا على الدولارات لتمويل العديد من الأنشطة ، بما في ذلك هروب رأس المال الوطني وتحويل الأرباح المتراكمة للشركات الأجنبية.

🔴 التعويم لا يعني بأي حال من الأحوال موات السوق الأسود (واعني بذلك تجار العملة خارج البنوك والصرافات الرسمية). السوق الأسود سيكون دائمًا موجودا وعلى استعداد لتمويل أي نشاط تمنع الحكومة البنوك من تمويله.

🔴 لذلك سينشأ سباق ملحمي بين البنوك والسوق الاسود الذي لا يزال حيا وبعافية وستكون النتيجة انخفاض لاينتهي في قيمة الجنيه.

🔴 في هذه المرحلة، لا يبدو أن ستمائة جنيه للدولار سعر صرف مبالغ فيه بعد بضعة أشهر من التعويم، ولكن النزيف لن ينتهي عند هذا الحد. بالنسبة لسعر الدولار السماء السابع هو الحد الأقصى الوحيد. وسوف تصرخون.

🔴 القضية الرئيسية الأخرى تتعلق بتكوين التوقعات أحادية الاتجاه. نظرًا لاستمرار الهيمنة المالية ونقدنة العجوز المتسعة، سوف يتوقع جميع المشاركين في السوق أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط نحو الهبوط.

🔴 أي كائن راشد عقلاني يتوقع انخفاض قيمة الجنيه سيبيع ما لديه من عملة أجنبية فقط في حدود صارمة لتمويل الاحتياجات الانية أو ما يكفي لمصاريف يوم أو اثنين. بمعنى آخر، سوف يخزن الزول دولاراته (أو أي عملة أخرى).

🔴 من ناحية أخرى، نظرًا لأنه من المتوقع أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط ، فإن كل مواطن لديه مبلغ ما من المال الوطني سوف يندفع لشراء الدولارات أو الريالات لحماية القيمة الحقيقية لنقده واستبدال الدولارات في المستقبل بسعر أفضل.

🔴كل هذا يعني أن المعروض من العملات الأجنبية في السوق سينكمش نسبيا (مقارنة بالعرض المحتمل في سيناريو اخر) بينما سيزداد الطلب. سيضع هذا ضغطًا هائلاً على الجنيه وسيؤدي إلى انخفاض متواصل لسعر الصرف أكثر وإلى ما لا نهاية.

🔴 وستتفاقم الامور لان تقنين وتحرير التعامل في العملات الأجنبية سيقضي علي ما تبقي من ثقة في العملة الوطنية وسيترتب علي هذا بروز اقتصادين أحدهما مدولر تلعب فيه الشركات وشريحة ضيقة من البرجوازية المرتبطة بالمداخيل بالعملات الاجنبية من العمل أو التحويلات أو الحسابات الشحيمة في الخارج مقابل غالبية الشعب المجبر علي عملة وطنية فطيسة. وهذه الاوضاع سوف تفاقم الاحتقان الاجتماعي وستدفع باعداد متزايدة من الطبقة الوسطي, بما في ذلك شرائحها العليا, الِي التحالف مع الطبقات الدنيا لمواجهة الفرز الطبقي المهين. وانضمام الطبقة الوسطي في تحالف مع المسحوقين هو أحد اهم علامات ثورة قادمة.
🔴صحيح أن الآليات المذكورة أعلاه كانت موجودة في السوق قبل التعويم الرسمي لكنها كانت لا تزال مقيدة فيما يتعلق بالشركات والبنوك الكبرى.

🔴 لذا فالنقطة هي أنه بعد التعويم ستكتسب هذه الآليات صفة قانونية أو شبه قانونية وسيزداد حجمها المتوقع مما يعني ذبح وسلخ ما تبقي من الجنيه الغريق. في الاقتصاد، كما هو الحال في معظم جوانب الحياة ، فإن الحجوم والدرجات لها أهمية حاسمة.

د. معتصم أقرع

معتصم الأقرع

Exit mobile version