احمد يوسف التاي يكتب: ليس بالكذب

(1)
من المفارقات العجيبة التي تعكس حالة البؤس الذي وصلنا إليه أنه عندما انخفض سعر الدولار من (410) إلى (405) احتفلنا نحن الإعلاميين على الصفحات الأولى بـ «مينشيتات» حمراء من شاكلة: الجنيه يسترد عافيته ويسجل 405 جنيه مقابل الدولار…أو إنخاض في سعر الدولار مقابل الجنيه… حالنا كحال مشجعي فريق كرة القدم ذاك الذي هُزم 8 مقابل هدف واحد تم إحرازه بضربة جزاء في آخر دقيقة وقتها اشعل مشجعو ذلك الفريق المهزوم ( 8 / 1) النيران في عمائمهم وشالاتهم ودخلوا الملعب وحملوا أعضاء فريقهم المغلوب على أعناقهم ابتهاجاً بـ «الهدف الواحد»…وكذا نحنُ نداري هزيمة فريقنا – الجنيه – أمام الدولار بـعبارات : الجنيه يسترد عافيته، وانخفاض في سعر الدولار مقابل الجنية مما تزخر به «المينشيتات»…وبعد 24 ساعة فقط يعود جنيهنا الحبيب إلى غرفة الإنعاش جثة هامدة فنجتهد في البحث عن أي نبضة تعيد لنا أمل الحياة…
(2)
حكاية أن سعر الدولار نزل ثلاثة أو أربعة أو خمسة جنيهات وفرحتنا بذلك تبدو لي مثل حال الشخص المحتضر وحوله أهله يتحسسون أي نبض في أي موضع من جسمه ليطمئنوا أنه مازال على قيد الحياة وأن روحه لم تخرج بعد …ذلك النبض هو (نزول) الخمسة جنيهات والتي تعطينا أملاً بأن جنيهنا مازال يتنفس وبه عرق ينبض …ما اتعسها من حال تلك التي أعيت (الطبيب الداويا) واستعصت على العلاج وازداد فتقها على الراتق…
(3)
من المفارقات العجيبة كذلك أن عدداً كبيراً من قادة الرأي من ساسة وإعلاميين شنوا هجوماً كاسحاً على وزيرة المالية السابقة دكتورة هبة وحملوها مسؤولية ارتفاع سعر الدولار لكونها قالت الحقيقة وهي ترد على سؤال حول صحة ماتردد عن وصول 500 مليون دولار وديعة لبنك السودان حيث قال: (لا أعلم أن هناك وديعة وصلت لبنك السودان وأتمنى أن يكون ذلك صحيحاً)…هاجموها هجوماً كاسحاً فقط لأنها لم تكذب ويريدونها أن تفعل ظناً منهم أن الكذب يعمل على إنعاش الجنيه ويخفض سعر الدولار…تباروا في تبرير ارتفاع سعر الدولار غداة تصريحات الدكتورة هبة تركوا كل الأسباب العلمية والموضوعية و(مسكوا) في تصريحات هبة (يا ناس اختشوا شوية)…
(4)
وآسفاي على دولة يرى قادة الرأي والساسة فيها أن في الكذب علاجاً لتدهور عملتها الوطنية وكبحاً لجماح العملات الأجنبية…الدكتورة هبة قالت الحقيقة ولم تزد ولم تنقص فلماذ تحملونها فشل طواقمكم الإقتصادية ومستشاريكم المؤتمنين ، خبروني عن أي دولة في العالم تعمد على الكذب في تقوية عملتها؟!!!…
تستقوى العملة الوطنية بالإنتاج الزراعي والتصدير لا بالكذب… بحسم المضاربين وكبار تجار العملة لا بالكذب …بإنتزاع حصائل الصادر من براثن التماسيح لا بالكذب…بمعالجة الخلل الكبير في صادرات الذهب لا بالكذب … بوقف نزيف إرجاع بواخر صادر الثروة الحيوانية لا بالكذب…بحسم الفوضى وقطع الأيدي التي تمتد للعبث بقوت الشعب…..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version