معارك جبريل من الإعفاءات .. إلى حشد الإيرادات ! (1)

(وجه وزير المالية بإلغاء كافة الإعفاءات الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني عدا التي تعمل في مجالات البنيات التحتية وفي محاربة حدة الفقر) .. هذا هو الخبر المفزع الذى طارت به الأسافير بالأمس .. ومصدر الفزع فيه .. ليس محتواه بأي حال من الأحوال .. بل توقيته هو المفزع والمحير .. مسألة الإعفاءات هذه كان معلوما أنها كانت واحدة من اكبر بوابات الفساد .. وواحدة من اعمق المجاري التى كان ينسرب منها المال العام .. بدعوى العمل الطوعي والخيري ..حتى إن الجرأة قد بلغت ببعض أصحاب الأنشطة التجارية .. لتأسيس منظمات طوعية .. أو حتى شركات خيرية .. والحصول بموجب ذلك على امتيازات يشيب لها الولدان .. من إعفاءات جمركية وضريبية .. وحدثني من أثق فيه .. أن جل البضائع التي تفترش الأرصفة .. أو تلك المعروضة فى إشارات المرور .. تأتي عبر تلك الحيل .. حيث لا منافذ شرعية لتصريف تلك البضائع .. إلا عبر مزيد من المخالفات .. !

ولعل الناس يذكرون المعركة الشرسة التى خاضها الراحل الدكتور عبد الوهاب عثمان وزير المالية الأسبق .. الذى جاء من صلب الإسلاميين .. ولكنه كان أمينا مع نفسه وهو يتصدى لواحدة من أخطر أساليب الاحتيال والفساد .. والغريب في الأمر أن الرجل لم يقرر إيقاف تلك الإعفاءات .. بل قرر تنظيمها .. بتوفير كل الضوابط التي تضمن أن تلك الإعفاءات ستذهب للمستهدفين بها .. ولكن بقيت الإعفاءات ورحل الوزير .. وظني أن معركة جبريل مع الإعفاءات لن تكون نزهة عابرة ..!

فإن كان وزير المالية الجديد الدكتور جبريل إبراهيم قد اتخذ القرار الصحيح .. فى الوقت الصحيح بالنسبة له .. أي بداية عهده .. فإن المفزع والمحير .. أن هذا الوضع ظل قائما حتى وصول جبريل إلى الوزارة .. فقد مرت شهور طويلة .. تعاقب فيها وزيران على الوزارة .. وظلت البلاد تشكو لطوب الأرض من شح الموارد .. و ظل الحديث عن محاربة الفساد يقيم الدنيا ولا يقعدها .. دون أن ينتبه أحدهم إلى هذه الثغرة الخطيرة .. المسماة بالإعفاءات .. أو ربما انتبهوا لها ولكن لسبب ما لم يحركوا ساكناً فيها .. فباستثناء تلك المنظمات التي تمكنت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو من الوصول إليها .. ووضع حد لنشاطها .. ثم بعض الإجراءات التى طالت بعض المنظمات فى صمت .. فيبدو أن الحال قد ظل على ما هو عليه .. وهنا كان على وزير المالية أن يصدر قرارا مصاحبا آخر .. بالتحقيق فى من سمح بإستمرار هذا الوضع الخطير .. ولعل الأمانة تقتضي القول .. إنهم ليسوا وحدهم ذوي الحظوة والنفوذ فى النظام البائد .. من استفادوا من تلك الامتيازات .. بل كثيرين ممن ظلوا يحسبون على الآخرين .. كان لهم نصيبهم ولا يزال ..!

ولو أن وزير المالية إستشارني فى قراره الشجاع هذا .. لنصحته بإيقاف الإعفاءات ضربة لازب .. هكذا دون أي استثناءات .. لسببين مهمين .. أرجو أن يتفق معي فيهما السيد الوزير ومستشاروه .. الأول أن جل المنظمات والجمعيات المستثناة .. قد إعتادت على العمل دون ضوابط صارمة تثبت أن نشاطها ينضوي تحت القاعدة التى وضعها الوزير الراحل عبد الوهاب عثمان بضرورة أن الإعفاءات تذهب للمستفيدين منها بحق .. والسبب الثاني والأهم .. فهو أنه وحتى في حال قدمت تلك المنظمات من المستندات والإفادات ما يعزز دعواها .. فإن الدولة ممثلة فى وزارة المالية ومفوضية العون الإنساني وغيرها من الجهات ذات الصلة .. لم تتوفر لها بعد .. الإمكانات والكوادر وفرق التفتيش والرقابة .. بما يمكنها من مراقبة أداء تلك المنظمات والجمعيات الحاصلة على تلك الإعفاءات .. والحال كذلك فإن الصحيح تعليق منح هذه الإعفاءات .. حتى تتوفر مطلوبات ضمان وصولها إلى مستحقيها ..!

غداً نتحدث عن معركة جبريل القادمة .. انتظرونا ..!

صحيفة السوداني

Exit mobile version