عبد الله علي إبراهيم يكتب صوت المرأة عورة في فقه الحركة الشعبية؟
صوت المرأة عورة في فقه الحركة الشعبية؟
عبد الله علي إبراهيم
كتبت هادية حسب الله باسم جماعة “حارسات” تحتج على ضعف تمثيل النساء في التشكيلة الوزارية الجديدة بما يخالف الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام معاً. وحسب قراءتي لا أعرف أن الوثيقة حددت نسبة مئوية لتمثيل النساء في مجلس الوزراء في حين قطعت بأربعين في المائة نسبة لها في المجلس التشريعي المنتظر. وتجمد العدد عند أربعة نساء وزيرات كما كان في الوزارة الأولى في انتظار ما يسفر عنه تعيين وزيرة التربية.
ناشدت هادية رئيس الوزراء الالتزام بتعهده كفالة التمثيل الوافي للنساء. وودت لو وجهت أشد النداء للأحزاب والحركات المحاصصة. فقد وضعت مزدلفة عثمان أصبعها على ضعف تمثيل المرأة برده إلى خلو ترشيحات المحاصصين من نساء عدا الحركة الشعبية شمال والبعث والأمة. وتحتاج الحركات المسلحة والدارفورية خاصة إلى مثل هذا التنبيه القوى ل “رفقاً بالكنداكات”. فلم تحظ النساء في مجلس الشركاء بسوى مقعد من ٢٩ كان نصيب المنصورة التي لا يخطئها ترشيح حزبها.
بدا لي أنه ربما جاء الوقت للقوى المدنية أن تجهر بصوتها بوجه المسلحين بعد الأحزاب عن غضهم الطرف عن استصحاب النساء سواء في التفاوض للسلام، وبلوغه، وحظوظهم في المؤسسات التي انبثقت عنها جميعاً. فما بوسع حمدوك عمله وما يصله من قوائم خلا من النساء. وإن تدخل خرب الرصة. جربت هذا الجهر بحق النساء في وجه مسلحي الجبهة الشعبية لتحرير السودان في ٢٠٠٥ بعد ملاحظتي خفوت صوت المرأة في وفد مقدمتهم للخرطوم. وستجد في الكلمة قناعتي بأن تلك الغيبة رأي سيء عن منزلة المرأة في مجتمع الهامش ومسلحيه:
كنت قرأت أن من بين وفد الحركة للخرطوم ناشطات من النساء. غير أني لم أسمع منهن أو عنهن طوال زيارة الوفد. وهذا نقص معيب يسم سودان الحركة الشعبية الجديد بالذكورية. ففي إصمات عضوات الوفد تهميش للنساء. وهذا الإصمات منزلق تقع فيه الحركات الموصوفة بالتقدمية أو الوطنية لأن رجال الحركة هم الذين يحددون أولويات النضال الوطني. والرجال غالباً ما قدموا المسألة الوطنية على المسالة النسوية المظنون أنها تالية للتحرر الوطني. ولم يشذ رجال الحركة عن هذه القاعدة. فقد ورد في تقرير للأمم المتحدة قولهم: “لنحصل أولاً على التحرر الوطني وننشغل بعدها بمسألة المرأة”. ومن المؤسف هذا العزل لنسوة السودان الجديد عن عمليات السلام وقد كن الأجهر صوتاً في طلب السلام للحد الذي هددن (أو نفذن) هجر الرجال في المضاجع حتى يأتوا بالسلام.
لا ترد مسألة النساء في أدب الحركة إلا في سياق التظلم العام من فرض الشريعة في دولة الإنقاذ. علماً بإن بعض قادة الحركة مثل المرحوم يوسف كوة والقائد الحلو أكملوا نصف دينهم مثنى وثلاث ورباع بغير وخز “سوداني جديد”. وتكاد لا ترى للحركة نظراً أو موقفاً حول ظلامة المرأة الجنوبية من أعراف الجنوب التي قررت الدساتير السودانية المتعاقبة أنها (الي جانب الشريعة) مصدر القوانين. فخطاب الحركة الوطني مشغول بمقاومة فرض الشريعة وسيأتي إلى الأعراف متى رفع حيف الشريعة عن الجنوبيين. غير أنني سعدت أن ناشطة مثل السيدة فليستر بيا، قائدة تضامن الجنوبيات من أجل السلام في الخرطوم، قد تطرقت إلى ظلم الشريعة والأعراف معاً للمرأة. فقالت عن ظلم الأعراف إن المرأة إذا ترملت إنحبست في البيت لعام كامل تنوح بالصوت العالي للتعبير عن فقد الزوج الغالي. وليس يطلب من الزوج الغالي أن يرد بالمثل متى فقد زوجه. وهذا نقد يدمج المسألة النسوية بالمسألة الوطنية بغير تسويف. فتقسيم النضال إلى مرحلة وطنية تعقبها مرحلة نسوية أو اجتماعية هي صورة الرجال للنضال القائم وأجندتهم له.
وتتكشف ضغينة الأعراف الجنوبية على المرأة حالياً في سياق تفكر المنظمات الإنسانية في عودة النساء إلى قراهن بعد حلول السلام. وقد استرعى انتباهي قول السيدة جنيفر نوكو كيتي إن الأعراف فاحشة في ظلم المرأة. فلا حق لها مطلقاً في ملكية الأرض مثلاً. وقد فاقم من ذكورية الأعراف في الأراضي المحررة الحكم العسكري للحركة الذي خول للقادة الرجال سلطات أكثر غلواً. وتكهنت كيتي أن عودة الأرامل بعد السلام ستكون مأساوية. فأمامهن خياران: إما أن يقبلن بوراثة العشيرة لهن في المعروف من زواج الأخ أو الأب بأرملة أخيه أو إبنه، أو أن يتلطشن بمحاكم الأعراف لإسترداد حق أزواجهن المتروك الذي هو ملكية شيوع للعشيرة على كل حال. ولن تقبل هؤلاء الأرامل وطأة العشيرة هذه لأنهن تفتحن على المدن وعشن بدون الزوج أو رغمه. وسيهاجرن إلى المدن مما سيعرضهن إلى الأبتزاز الجنسي.
وددت لو تحدث كادر الحركة النسائي في وفد الخرطوم عن هذه الهموم. فلو فعلن لأرسين دونية المرأة في تقاليد ثقافية وطنية أخرى غير الشريعة. بل لربما رددن للشريعة بعض الإعتبار. فالشريعة تورث المرأة مهما كان الرأي في سهمها ولا تجعل العشيرة بالأمر زوجاً في الظل. ولهذا نقول سمح القول في خشم سيده.
صحيفة السوداني