مقلب السلطة ..

شاهدت مقطعاً مثيراً لبرنامج كاميرا خفية يقدمه شاب سوداني على فيسبوك يجتهد في رسم البسمة بمخاطرة كبيرة بنفسه وهو يواجه وجوهاً من الشارع السوداني يقبع فيها المزاج الخرب .
أحدهم قذفه بهاتفه دون تردد ، وحين اكتشف أن الموضوع مجرد مقلب راح يبحث عن هاتفه الذي ربما تهشم وهو نادم على مافعل بعد أن ( حدث ما حدث ) ..!
و( حدث ما حدث ) لن تظل حصراً على لسان الفريق أول الكباشي حين حكى قصة فض الإعتصام .. بل هي العبارة التي ستصلح عنواناً عريضاً لهذه المرحلة الانتقالية من عمر بلادنا .. لأن كل شيء يحدث فيها على مايبدو بمنطق من القى بهاتفه في وجه مقدم برنامج المقالب ثم لم ينفع الندم ..
( حدث ماحدث ) حين يتم تكوين لجنة سياسية لتفكيك التمكين بصلاحيات شبه مطلقة ثم يكتشف من وقع على قرار تكوينها بيده بعد حين ، أنه لا يتحمل شخصياً رؤية أعضائها يتجولون داخل القصر الجمهوري ..!
و( حدث ماحدث ) حين عمت الاحتجاجات ولايات السودان المختلفة بسبب الأوضاع المعيشية البائسة والجوع ، صحبتها عمليات نهب وتخريب وفوضى هي في الواقع امتداد وتطوير لحالة فوضى وهشاشة أمنية موجودة في كل مدن السودان التي شملتها اعمال التخريب الأخيرة أو لم تشملها تلك الأعمال ..
الخطف وتهديد المواطنين وارهابهم بشكل أو آخر هي حالة موجودة في البلاد منذ فترة ، نعم هي أخذت شكلاً أكثر خطورة مع الإحتجاجات التي حدثت وتحدث هذه الأيام ربما بسبب تدخل أجندة سياسية تسعى لاستغلال الفرصة ، لكن ذلك لاينفي وجود السبب الموضوعي للإحتجاجات .
وبالتالي فإن حملة الإعتقالات لمنسوبي المؤتمر الوطني المحظور لا تخاطب الأسباب الحقيقية للمشكلة أو تقدم حلاً لها ، وبسبب الطريقة التي تتم بها هذه الإعتقالات يتضح يقيناً أنها تنطلق بالأساس لتحقيق ذات الأهداف السياسية التي تسيطر على تفكير القوى السياسية الحاكمة أكثر من سيطرة وشغل الهم العام وازمات المواطن لتفكيرهم ، وبالتالي لا تؤدي هذه الطريقة إلا الى زيادة الإحتقان وتأزيم الأمور أكثر فأكثر .
إذا كانت القوى السياسية في السلطة الانتقالية تقر بقدرة الكيزان على صناعة كل هذه الأزمات الاقتصادية والأمنية الماثلة وقدرتهم على تأجيج الشارع والوقوف وراء الاحتجاجات والتخريب الذي حدث في عدد من ولايات السودان بالتزامن ، وتقر بهشاشة الوضع السياسي والأمني لهذا الحد ورغم ذلك ترى أن الحل في فتح ابواب المعتقلات حتى تمتليء بالمعتقلين ثم لا تكفي ..!
فإن ذلك يدل على اختلال عميق في الذهن السياسي الحاكم وعجز تام عن إدارة المرحلة وإدارة المعركة مع الخصم السياسي بشكل سليم حتى تنجو هذه البلاد من الحريق .
خاسر من يقود معركة معلنة ومفتوحة مع خصم خفي وبأدوات قمعية قديمة وأسلحة صدئة ومتهالكة مثل سلاح الإعتقالات ..
استبدلوا خطاب ( الصواميل ) والتهديد والاستفزاز والتصعيد المعلن مع هذا الخصم الخفي بخطاب تحييد واستقطاب وحوار مع العقلاء والمعتدلين .
الإنقاذ نفسها لم تحكم كل هذه السنوات إلا بالتسويات والمشاركات السياسية والخطاب السياسي الذكي ، لا تجعلوا تلك الحماقات والرغبات السياسية الصبيانية هي التي تقود وتوجه عقل الدولة وتفكيرها ..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

جمال على حسن – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version