تحقيقات وتقارير

عناقيد “النجوم” .. هبوط مريب في موائد السياسيين!!

ثار جدلاً واسعاً ولغطاً كثيفاً حول ظهور نجوم من الساحة الفنية والرياضية في (عالم) السياسة هذه الأيام، وكانت البداية بمشاركة مطربات ومطربين في (كورال) لدعم القوات المسلحة لاستردادها الأراضي السودانية بمنطقة الفشقة ، حيث انقسم الوسط الفني ما بين مؤيد ومعارض للخطوة ، لا سيما وأن الفنان كمال ترباس ذرف الدمع السخين ازاء الاوضاع الاقتصادية واعلن هجرته بسبب (الجوع) ، وفيما تتوالى الأحداث عاصفة إذا بالفنانة ندى القلعة تنتج أغنية جديدة تهاجم فيها قوى الحرية والتغيير ، لتعقبها عائشة الجبل بحديث منسوب إليها لم تنفيه بأنها من أسرة اتحادية وإذا ارادت أن تنضم لحزب سيكون الاتحادي ولن تكون شيوعية كافرة ، لم يتوقف سيل الاحداث ذات المشاهد الدراماتيكية حيث ارتاد أهل الرياضة ذات الامواج المتلاطمة ليلحق بالركب هيثم مصطفى (سيدا) الذي يعتبره الثوار بأنه أحد (التروس) ولكنه هذه المرة قسمهم إلى فسطاطين بسبب هجومه على حكومة الثورة (الشق المدني) مركزاً على انتقاد لجنة التمكين في حين أنه غض الطرف عن العسكريين ما جعل الرافضين لخطوته يشككون في انتمائه للثورة وأنه موظف لدى المنظومة الدفاعية لذلك توجه منصات صواريخها عبره في مواجهة حمدوك ، ويبقى السؤال هل دخل الفنانون والرياضيون حلبة الاستقطاب السياسي ولصالح من يعملون وبالأحرى من المستفيد؟

الكاردينال راعي اتحاد أبناء الشمال

في تصعيد لافت دفع اتحاد أبناء شمال السودان للحقوق والتنمية بمذكرة للوسيط الجنوبي توت قلواك طالب خلالها بمضاعفة نسب الإقليم في السلطة والثروة ،وأعلن الوسيط الجنوبي توت قلواك عن مؤتمر جامع لمناقشة جميع قضايا الشمال وقال خلال اجتماع ضمه باتحاد البناء الشمال للحقوق والتنمية (الشمال أكثر منطقة مهمشة) وأضاف انه سيناقش مذكرة اتحاد أبناء الشمال مع الحكومة وشركاء الاتفاق “لنصل الي قرارات ترضيكم”
حتى هنا الأمر طبيعي ولكن المدهش هو أن راعي الكيان أشرف الكاردينال قال إن إتفاق سلام جوبا همش الشمال والشرق والوسط وشدد على ضرورة فتح الاتفاق (لأنها ليست قرآنا منزلاً) ، واماط الكاردينال اللثام عن اتصالات أجراها مع حركات الكفاح المسلح وشركاء السلام لمعالجة اختلالات الاتفاق وزاد (نحن مع السلام العادل الشامل ولا يمكن أن يكون هناك اتفاق يميز منطقة عن أخرى في السلطة والثروة القومية).

وفي سياق متصل أكد رئيس مسار الوسط التوم هجو انحراف اتفاق جوبا عن مساره القومي ، وقال إنه تحول الى جهوي بعد التوقيع ونقل التهميش من جهة إلى أخرى ومضى للقول ( مأتم الآن في السلطة لا علاقة له باتفاق جوبا والماعندو قوة ما عندو حق ويجب أن ننهي الظلم والتهميش وعدم نقله من منطقة لاخرى).

وأكد هجو دعم مسار الوسط لعمليات استكمال نواقص الاتفاق ومعالجة القصور الذي صاحب اتفاق السلام وقال مخاطبا الاجتماع (تعالوا نكمل نواقص الاتفاق من اجل اعطاء الحقوق لاصحابها وسلامة الوطن بالطرق الحضارية والمدنية).

وفي سياق متصل كشف الأمين السياسي لاتحاد أبناء الشمال للحقوق والتنمية الدكتور اسامة سيد احمد الحسين عن بعض تفاصيل المذكرة التي دفع بها الاتحاد للوسيط الجنوبي وقال انها طالبت بنسبة40% من ثروات الإقليم و20% من الثروة القومية وان يحكم الشمال بابنائه بجانب قضية شهداء كجبار واحداث منطقة بربر ونبه الحسين للاتصالات لتكوين تحالف بين مسارات الشمال والوسط والشرق(لأنه يجمعها الظلم والتهميش والروابط المجتمعية) وقال انه في حال عدم استجابة الحكومة وشركاء السلام لمطالب الشمال فسيتم اجراء اتصالات للاتحاد مع المجتمع الدولي لنيل حقوق الاقليم.

قد لا يعلم كثيرون أن أشرف واسامة إخوان أشقاء وبالرغم من أن الثاني يتفوق على الأول بالعلمية والموضوعية إلا أن أشرف دخل من باب الرياضة ليعطي الاتحاد زخماً أكبر بحكم علاقته مع توت قلواك والقيادات السياسية بالجنوب إلا الخطورة في الكيان تمكن في محاولة التكتل بين الشرق والوسط والشمال في مواجهة الغرب والنيل الازرق وجنوب كردفان وهذه دعوة لوأد الاتفاق والتكريس جهوياً ترى من المستفيد من تدخل الكاردينال بهذه الطريقة؟

سجال وعضاض

كتب الأستاذ عبدالجبار عبدالله على صفحته بالفيسبوك سلسلة مقالات بعنوان (الوهم والواقع في صناعة البطل الشعبي فنياً وجمالياً) شاركه فيها بالنقاش الأساتذة يوسف الموصلي والسر السيد، ولسان الدين الخطيب وربيع يوسف وفيصل حسن، والأستاذة هادية بدر الدين.

ويرى الناقد عبدالجبار أن “أوبريت جيشنا” عمل موسيقي أنتجته مجموعة من الفنانين والفنانات في إطار ما يسمى حملة دعم الفنانين للجيش في منطقة الفشقة وهو من كلمات علاء الدين الأمين وألحان عمر الشاعر وسيناريو وإخراج سيف الدين حسن ومحمود عبد الله إنتاج: “نبتة للإنتاج الإعلامي” وهي نفسها الشركة المنتجة لسلسلة برامج “أرض السمر” لقناة الجزيرة

ويقول إذ تحضر إلى ذهني خاطرة نقدية للشاعر الفرنسي العظيم مالارميه في هذا المقام “لا يكون الشعر شعراً إلا حين تئن تحت وطأته اللغة وتعجز الكلمات عن حمل مدلوله الرمزي” تجدني أقرأ هذه “الكركبة الشعرية” لنص الأوبريت على أنها بناء شعري قوامه اللزق والترقيع وصنعته سمكرة المفردات والقوافي الشعرية الخاوية من أي صور أو عاطفة شعرية أو معانٍ. فقصيدة الأوبريت هذه مما تم بناؤه اعتباطاً كيفما اتفق على نموذج هذه السمكرة الشعرية العبثية من عندي استلهاماً للتصور المعماري الشعبي الشهير “أوضتين من خلاف”:

ويضيف يلاحظ أنّ اللحن أكثر من عادي ولا يرقي لمستوي ألحان عمر الشاعر الجميلة القوية البنيان التي رسخت عميقا في الوجدان السوداني عندما تغني بها من فنانينا الكبار أمثال زيدان إبراهيم (أخونك، في الليلة ديك، عمر السنين، قصر الشوق، وسط الزهور، شقا الأيام) وعبد العزيز المبارك (أحلي عيون، ما كنت عارف)، كما غني له الكابلي (في عزالليل). فأنت عندما تسمع الأوبريت لأول مرة سرعان ما تنساه بسبب لحنه الباهت، ولولا الفيديو المصاحب لما لفت انتباهك أنّ الاوبريت مقصود به التغنّي للجيش أصلاً.

ونظراً لطول النص الشعري استغرق غناؤه أكثر من ربع الساعة. ولتفادي هذا الأمر تمت معالجة اللحن -من وجهة النظر الموسيقية المتخصصة- بتغيير الإيقاع ست مرات ليتناسب مع أسلوب المغنيين. مثلاً اُستخدم إيقاع العرضة للبعيو، والسيرة لندي القلعة ولبلال موسي وإيمان الشريف، وإيقاع المردوم لعبد القادر سالم.

وعلى الرغم من استدعاء مقدمة أغنية “عازة في هواك” للخليل لإضافة زخم للأوبريت في البداية والنهاية، إلا أن الجزء الأول جاء أقرب للحن أغنية رومانسية منه لعمل غنائي للجيش ولا يتسق مع المشاهد المسلحة والاستعراض العسكري في الفيديو. فالجمل اللحنية طويلة ممتدة ولا تناسب الخطو السريع والحيوية والخشونة المعروفة لدي الجيوش.

في الجزء الثاني تم أيضا استدعاء مقدمة أغنية “بلادي أنا” لعثمان حسين التي تؤديها آلة الترمبت لأغنية ألّفت أساساً بإيقاع المارش لدي عثمان حسين، لتصبح مدخلا للحن اُستُخدم فيه إيقاع الدلوكة، وهو في رأي الموسيقيين استخدام غير موفق إطلاقا.

شارك في تنفيذ الأوبريت -وفقا للترتيب المهني لاتحاد الفنانين- ثمانية عشر فنانا وفنانة من الدرجة الأولي والثانية إضافة لخمسة أصوات مشاركة. وهو أكبر حشد لنجوم الغناء في بلادنا مؤخراً. ومن الناحية الموسيقية وحدها -دعك عن الاعتبارات الأخرى- كان نصيب كل منهم في حدود ما لا يتجاوز الدقيقة أو الدقيقتين على الأكثر، رغم أن للكثير منهم/ن مساهمات ثرة في الساحة الفنية وبعضهم قامات لهم تاريخ وإنتاج غزير ومقدّر. ولشد ما أحزن الكثير من الموسيقيين -من الناحية الموسيقية وحدها- رؤية شرحبيل أحمد وهو يغني مقطعا قصيراً ثم ينضم إلى جوقة المرددين وكأنه مجرد هاوٍ وحديث عهد بالغناء.
لم يكتف المقال فقط بنقد الجوانب الفنية بل شن هجوماً واسعاً على اللجنة الامنية وممارساتها التي بدأت منذ عهد البشير.

السر السيد على الخط

الناقد السر السيد علق بأن الاستاذ عبدالجبار كتب هذا المقال انابة عن اخرين وليس اصالة عن نفسه فبدى كالمحرش لذلك لم ينجز المقاتلة كما ينبغى ، خذ مثلا الموقف من الجيش، فالواضح أنه لم يشر الى الاحتلال الاثيوبي لارضنا ولكنه كما نلاحظ اشار للجيش السوداني وألمح بالوصف لعدم وطنيته، ثم اجرى مقابلة بين الفنانين الاثيوبيين والفنانين السودانيين واعنى من وصفهم بداقي طبول الحرب وهي مقابلة مجانية تنهض على تعميم وعلى تجريد الفن والفنان من تاريخيته وكذلك تجريد الجيش من موقعه في مؤسسة الدولة.

ويضيف السر الاكثر ادهاشا هو تعمد عبد الجبار المزج والخلط بين زمنين هما زمن الانقاذ وزمن حكومة ما بعد الثورة الان فالقارئ احيانا يصاب بالدوار !!فهل يا ترى يقصد عبدالجبار الا فرق بين زمن الانقاذ وزمن الثورة او فلنقل الا فرق بين الجيش في زمن الانقاذ والجيش في زمن الثورة؟؟فان كانت الاجابة نعم وهذا هو الارجح حسب السياق،يكون عبدالجبار الشيوعي فعلا محرش لانه من المعلوم ان قرار الحرب ليس قرارا عسكريا وانما هو في المقام الاول قرار سياسي لذلك يكون الموقف من هؤلاء الفنانين مبني على مساندتهم لهذا القرار السياسي وليس للجيش بمعنى ان وجود الفنانين هناك هو مساندة لحكومة الفترة الانتقالية وليس الجيش.

القصة واضحة

المحلل السياسي قرشي عوض قال لـ(الجريدة) : هذه القصة واضحة ولا تحتاج لسبر أغوار لكشفها فهي تقرأ من خلال سياق الخطاب ورسالته المباشرة خاصة وأنه (أي الخطاب) يلاحظ استهدافه لجهات سياسية معينة وغض الطرف عن أخرى وهذا ما يرفع عقيرة المظان بأن هناك جهة مستفيدة من ذلك ؟ بمعني أن الشروحات تشير إلى أن هيثم مصطفى يهاجم بشكل مباشر المكون المدني في الحكومة ولجنة ازالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة ، و(عشة) الجبل تهاجم الحزب الشيوعي وتوصمه بالكفر و(تفتي عديل) وإن لم تقل ذلك لماذا لم تنف حتى الآن ؟ ، أما الكاردينال لماذا تحرك في هذا التوقيت ولماذا لم يستشعر هذا الظلم من قبل ؟

الناقد السر السيد يذهب في منحى مغاير لقرشي ويقول لـ(الجريدة) ما يحدث في الساحة هو محصلة لظاهرة استقطاب وسط نجوم الفن والرياضة صنعه السياسيون في اليسار واليمين، ويضيف من الواضح أن هناك استفزازاً تم لبعض رموز الفن بوصفهم أنهم غير ثوريين، هذا التمييز الذي يقف خلفه اليسار دائما ما تنتج عنه اصطفافات اخرى كما ورد في تصريح عشه الجبل بانها من أسرة اتحادية ولن تنضم للحزب الشيوعي لأنه كافر بحسب ما نشر عنها ولم تنفيه حتى الآن ، وزاد السيد بالقول: سيطرة السياسيين على الفضاء العام هي التي تؤجج حمى الاستقطاب.

في كل العالم يحتفظ النجوم سواء في الفن والرياضة بمساحة معقولة من السياسة ودائماً ما يستفاد منهم في لحظات يكون فيها الاجماع كاملاً لتعبئة المواطنين ، والحديث لقرشي عوض (الشعب السوداني له اهتماماته الرياضية والسياسية والفنية لكنه يدرك كيفية التعامل مع الانشطة المختلفة لهذه المجالات –كل شوكة بسلا بدربا)، وقطع بأن الذي لديه جمهور في الفن قد لا تكون له جماهير تؤيده في السياسة واستشهد عوض بالمحاولة التي قام بها الراحل صلاح بن البادية بقيادة موكب لاطلاق سراح رموز مايو بعد الانتفاضة حيث فشل الموكب بالرغم من سطوع نجم بن البادية وقتها وحتى وفاته (سال من شعرها الذهب)، ويرى قرشي أن الفنانين الأقرب لليسار أبوعركي ود اللمين وغيرهم لا يتدخلون بشكل سافر في الصراع السياسي اليومي وهذا ما أكسبهم شعبية وتجد من يؤيدهم في اطروحاتهم السياسية عند اعلان مواقفهم في المناسبات الكبرى.

ويقول عبدالجبار في مقاله لئن كان ثمة داعٍ لجهد فني مؤازر للجيش، أليس من الأحرى أن يبادر به سلاح الموسيقى الذي هذه هي مهمته في الأساس؟ إن أفراد سلاح الموسيقى جنود وضباط وضباط صف وقادة عسكريون في مختلف الرُتَب الدنيا والعليا، يتقاضون مرتباتهم من الجيش لأداء دورهم هذا على وجه التحديد. فما حاجة الجيش إلى نجومية شرحبيل أحمد ويوسف الموصلي وعبد القادر سالم والهادي الجبل وندى القلعة وحنان بلوبلو وعاصم البنا وغيرهم إن لم يكن للغرض بعدٌ سياسي آخر لا علاقة له بالنزاع الحدودي ولا بالفشقة!

خروج
هكذا تظل التساؤلات ترفع عقيرتها حول النوايا وحالة الاستقطاب السائدة التي تحرك النجوم ومن المستفيد؟

الخرطوم : أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة