بايدن والملف السوري.. غموض أميركي وقلق كردي

أحدثت التصريحات المتباينة للمؤسسات الأميركية ارتباكاً واضحاً في الأوساط السياسية والعسكرية الكردية في منطقة شرق الفرات.

فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي: “أن القوات الأميركية الموجودة في سوريا، لم تعد مسؤولة عن حماية النفط في هذا البلد”، مضيفاً أن “واجبها الأوحد هو مكافحة (داعش)…. وأن موظفي وزارة الدفاع ومقاوليها من الباطن ليسوا مخولين بمدّ يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال موارد نفطية في سوريا ولا إلى موظفي هذه الشركة أو إلى وكلائها”.

مصدر مقرب من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أوضح لسكاي نيوز العربية بأن قواته غير متأكدة حتى الآن من أبعاد ذلك التصريح، فهي لا تعرف أن كان ذلك مجرد جواب على سؤال تفصيلي يخص العلاقة المفترضة بين القوات الأميركية والشركات النفطية المتوقع أن تنشط في قطاع النفط في شمال شرق سوريا، أم أنه يخص كامل الاستراتيجية العسكرية الأميركية تجاه الملف النفطي.

إلى جانب ذلك، فإن ذلك التصريح لم يكن واضحاً إن كان يقصد تقليص دور القوات الأميركية وإخراج الحماية النفطية من اختصاصاها، أو توسيع لها، من خلال التعبير عن المهمة الشمولية لهذه القوات، المتمثلة بمحاربة الإرهاب، كما صرح المصدر.

تصريح وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” الأخير، ومدى ما يعتريه من غموض، يمثل نموذجاً لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة، التي وبالرغم من مرور ثلاثة أسابيع على تسلمها الفعلي لسُدة الحُكم في البلاد، إلا أنها لم تصدر أي موقف واضح يُبين استراتيجيتها السياسية والعسكرية في سوريا، بالذات في منطقة شرق الفرات، حيث تعتبر قوات سوريا الديمقراطية حليفها السياسي والعسكري الأكثر فاعلية في سوريا.

فالتصريحات التي صدرت عن الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي حددت أولويات إدارته، لم تتضمن أية فقرة أو إشارة إلى سوريا أو منطقة شرق الفرات. كذلك كانت توضيحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بخصوص التزام بلاده بمضمون القرار الأممي 2254 كصيغة حل للمسألة السورية، أنما كانت شكلاً للالتزام السياسي البروتوكولي، أكثر مما كان توضيحاً لما تنوي الإدارة الأميركية فعله واتباعه في الملف السوري.

القلق الكردي مضاعف تجاه هذا الموقف، لأن قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية ستكونان مهددتان دون مظلة حماية أميركية واضحة. فالأكراد السوريون يعتبرون تلك المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية هي من تحميهم طرفي الكماشة المحيطة والمتربصة بهم، تركيا والنظام السوري.

وكانت أمال الأكراد السوريين بالإدارة الأميركية الجديدة مرتفعة للغاية، خصوصاً وأن قادتها الرئيسيين كانوا قد وجهوا انتقادات واسعة للإدارة الأميركية السابقة، بسبب تخليها عن الأكراد السوريين، وسماحها لتركيا بخوض حملة عسكرية ضدهم في أواخر العام 2019، مما تسبب بهجرة مئات الآلاف من الأكراد السوريين من منطقتي تل أبيض ورأس العين.

تلك التصريحات كانت إلى جانب انتقادات واسعة قد وجهها الرئيس بايدن نفسه إلى نظيره التركي رجي طيب أردوغان أثناء حملته الانتخابية، متوعداً بتقليص نفوذه والحد من حُكمه، الأمر الذي اعتبره الأكراد السوريون دعماً لموقفهم في مواجهة تركيا، إلى الأسابيع الثلاثة الأولى من حُكم الإدارة الجديدة، لم يحمل أية توجهات في ذلك الاتجاه، وإن لم تحمل ما هو عكسها تماماً.

الموقف غير الواضح للإدارة الأميركية دفع وزارة الخارجية التركية لأن تطالب الولايات المتحدة بوقف دعمها للمقاتلين الأكراد، عبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، الذي قال في بيان رسمي: “تطالب تركيا بضرورة إنهاء الولايات المتحدة دعمها للمسلحين شرق الفرات”، مؤكداً تخوف بلاده من وصول تلك الأسلحة الأميركية من أيادي قوات حماية الشعب إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

القلق الكردي تكثف خلال الأسبوع الماضي، حينما اندلعت أزمة سياسية وأمنية بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام السوري، حاصرت كل واحدة فيها مناطق الطرف الآخر في مناطق سيطرتها، في مُدن حلب والحسكة والقامشلي.

خلال تلك الأزمة تدخلت القوات الروسية كوسيط بين الطرفين، ضغط خلالها حتى على النظام السوري، ولم تُصدر الولايات المتحدة أية مواقف خلالها، مما أعتبره المراقبون الأكراد رغبة أميركية لعدم مواجهة النظام السوري.

الغموض في العلاقة الكردية/الأميركية طوال الأسابيع الماضية ترافق مع تصاعد هجمات تنظيم داعش في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. إذ نقل موقع “صوت أميركا” في تقرير كتبه “نامو عبد الله” عن مسؤول كردي في تلك المنطقة: “إن المعلومات تشير إلى أن المزيد من المقاتلين من مختلف الجنسيات انضموا مؤخراً إلى داعش في العراق، عبر الحدود مع سوريا، التي يبلغ طولها 650 كيلومتراً، والتي يسهل اختراقها. ويُقدر العدد الحالي للمقاتلين النشطين للجماعة في سوريا حوالي 1500 مقاتل، غير الخلايا النائمة”.

مركز مجلس السياسات الخارجية الأميركي عرض في تقرير تفصيلي المحددات التي ستؤطر الاستراتيجية الأميركية في سوريا، بما في ذلك شرق الفرات. التقرير الذي كتبه “ستيفن كوك” قال في مضامينه: “أن الانخراط الأميركي في الملف السوري، خصوصاً في شرق الفرات، من المرجح أن يستغرق وقتاً طويلاً، بسبب تعقيدات الصراع والوقت والموارد التي قد تطلبها إدارة بايدن الجديدة”.

وأضاف: “تهتم الولايات المتحدة بالكارثة الإنسانية في سوريا، وتريد إنهاء حكم الأسد، وتسعى إلى إضعاف جهود إيران لتعزيز نفوذها في بلاد الشام، ومواجهة نفوذ موسكو المتزايد في المنطقة بدءًا من سوريا. ومع ذلك، فإن صناع السياسة الأميركية ليس لديهم الإرادة ولا الدعم السياسي المحلي لاستثمار الموارد العسكرية والمالية لمواجهة تلك التحديات في سوريا”.

وتابع: “نتيجة لذلك، ما لم يكن هناك تصعيد مباشر للقتال يستهدف الأمريكيين أو تهديدًا كبيرًا من الجماعات المتطرفة، فمن المرجح أن تظل الولايات المتحدة في سوريا بقوات متواضعة، وستواصل استخدام العقوبات لحرمان نظام الأسد من الإعانات المالية أو فوائد إعادة الإعمار، واستخدام كليهما كوسيلة ضغط لحل سياسي محتمل، على الرغم من أن هذه السياسة حتى الآن لم تسفر عن النتائج المرجوة”.

سكاي نيوز

Exit mobile version