أنت حر ما لم تضر ولا حرية للمجرمين

إن ما وقع من أحداث تخريب وتدمير وحرق ونهب وسلب، التي اجتاحت عددا من المدن الولائية وتسببت في خسائر فادحة للممتلكات العامة والخاصة، لا علاقة لها اطلاقا بحرية التعبير، وانما هي أعمال غوغائية واجرامية كاملة الاركان يجب أن يتم حسمها أولا بالتعامل معها في الميدان لحظة وقوعها بما تستحقه من ردع، ثم بعد ذلك تتم مطاردة هؤلاء المجرمين وتعقبهم بواسطة القوات الامنية والقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، فلا حرية لمجرم لا يستحقها ولا مكان له في المجتمع غير السجن، فالحرية في عمومها قيمة سامية وهي حق نصت عليه وأكدته كل الشرائع والمواثيق الدينية والدنيوية، وهي حق أساسي من حقوق الإنسان بما فيها الحق في حرية الرأي والتعبير، ولكن هذا الحق ليس حقا مطلقا يتيح لك قول ما تشاء وفعل ما تشاء، حتى لو كان هذا القول ينطوي على اساءة للغير ويشين سمعتهم ويقذفهم بما ليس فيهم، وحتى لو كان هذا الفعل يؤذي الآخرين ويضر بهم دعك من أن يضر بالمجتمع والوطن، بالطبع لا، فمثل هذا القول يوقع قائله تحت طائلة جريمة اشانة السمعة والقذف والكذب الضار، ومثل هذا الفعل يعتبر فاعله مرتكبا لجريمة جنائية، ولهذا تواثقت كل الشرائع والمواثيق على أن الحق في حرية التعبير ليس مطلقا على اطلاقه بلا سقوف، بل له محدداته ومحاذيره وحدوده التي لا يجب تعديها أو تجاوزها، ولهذا احيطت ممارسة حق التعبير بسياج من المحددات والاخلاقيات والاستحقاقات التي تعصم ممارسته من الانحراف به الى مسارات لا اخلاقية وغير قانونية كالتي حدثت في عدد من المدن والمناطق، والمؤسف ان يسعى البعض لتحوير هذا الحق العظيم والانحراف به لممارسة التخريب والتدمير والحرق والسرقة..
لقد ظلت وما انفكت قيادات الفترة الانتقالية تؤكد باستمرار على كفالة حق التعبير عن الرأي بلا قيود أو موانع الا ما قيده أو منعه القانون، وقبل ذلك أكدت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية على هذا الحق بصرامة وتشدد، وعطفا على هذه التأكيدات صار متاحا للكافة التعبير عن آرائهم وعكس مظالمهم بسلمية وبصورة حضارية دون أية مضايقات، وبهذا المعنى فان الحرية تمنح فقط لمن يستحقها ويرعاها، أما من تسول له نفسه الانحراف بالحريات المدنية واساءة استخدامها، فلا حرية له بل يجب أن يردع بالقانون، ومن هنا تنبع أهمية اصدار قانون ينظم ممارسة حرية التعبير وتنظيم التظاهرات والمواكب، ليس للانتقاص منها وانما لحراستها وحمايتها من العابثين والمخربين، وتبقى الحاجة عاجلة وملحة لاصدار مثل هذا القانون بأعجل ما يمكن، فالممارسة الحقة والصحيحة لحرية التعبير هي أن ممارسيها يستهدفون كسب تعاطف الناس مع قضيتهم وكسب احترامهم، ولا تتأتى لهم هذه الكسوب الا بالسلوك المهذب والممارسة الحضارية السلمية، أما ممارسة العنف والحرق والاتلاف والنهب فتلك جرائم لا صلة لها بحرية التعبير..
***********

حيدر المكاشفي – صحيفة الجريدة

Exit mobile version