جرح الساق إذا تم إخفاؤه ولم يكشف، ولم ينظف، ويطهر، ويعقم قد يزداد، ويتعمق، ويكبر وربما أدى إلى بتر الساق.
نظافته تؤذي، وتؤلم، ووضع المطهر عليه يشعر بالألم إلا أن علاج الجرح لا يتم إلا بذلك، وبعد وقت سوف يبرأ، ويختفي بإذن الله.
جراحاتنا المجتمعية علاجها شبيه بعلاج جرح الساق إذا لم نكتشفها، ونتعهدها بالنظافة، ووضع المطهرات عليها، فسوف تزداد وتتفاقم.
أسباب إخفاء الجراحات المجتمعية، وعدم إظهارها كثيرة منها الخوف على القادم، ومنها الحياء، والخجل، ومنها الخوف على شماتة الخصم حينما نعترف بأخطائنا، ومنها تفويت الفرصة عليه حتى لا يستغلها، ومنها ، ومنها.
ومن أبرز أسباب إخفاء الجراحات هي حينما تتحول إلى جراحات خاصة، وحينما تعتبر إساءات خاصة أي (شخصنة) القضايا العامة.
ويبدو – والله أعلم – أن سبب تحويل أي قضية عامة إلى قضية شخصية، ويظل المدافع عنها يعتبر نفسه مدافعا عن نفسه، وأي نقص أو تقصير عام يعتبره موجها إليه سبب هذه الحالة هو أننا مجتمعات في الأصل رعوية ما زالت أمزجتها ، وفهمها للقضايا العامة تتعلق بالأشخاص، إذ أن العمل العام، وممارسته هو من شأن المجتمعات المدنية المتحضرة، فهو يقوم على المؤسسات، وعلى قوانين عامة تحكمه.
القضية في المجتمعات الرعوية هي قضية خاصة يتلبسها شخص بعينه، فتحل لاعتبارات شخصية كما تتعقد أيضا لاعتبارات شخصية.
فالنجاح سببه شخص، وكذلك الفشل.
وكل حالات المجتمع الرعوي يتلبسها أشخاص.
حتى المرأة الجميلة في المجتمع الرعوي ينظر إليها لأن والدها تزوج فلانة بنت فلان.
وحينما يتحول هذا الفهم الرعوي، ويسكن المدن، فقد تجد قضية اختلاس مثلا تهد مصرفا بأكمله يخرج صاحبها خروج (الشعرة من العجين)، ولا يحاكم لمجرد علاقته بفلان أو علان.
مناقشة القضايا العامة في مجتمعاتنا مازالت بذات فهم المجتمعات الرعوية، فمجتمعاتنا، وإن تركت حرفة الرعي، واستقرت في المدن إلا أنها ما زالت تحمل ذات عقلية الرعاة، وهي لذلك تحتاج إلى ممارسة، وتدريب حتى تتحول من مجتعات رعوية إلى مجتمعات مدنية.
إذن ظاهرة تحويل أي قضية عامة إلى قضية خاصة، ومناقشتها، وبحثها باعتبارها قضية شخصية، وبالتالي أي إساءة إليها هي إساءة شخصية سبب هذا الشعور الذي نلحظه يوميا، وفي كل نقاش سببه أننا مجتمعات بدائية.
وهذا التفسير ليس دعوة لترك القضايا العامة، وبحثها بقدر ما هو دعوة لتطوير المجتمع، وتحويله من مجتمع رعوي إلى مجتمع مدني.
تعامل أفراد المجتمع مع القضايا العامة تبين مدى ابتعادهم أو قربهم من مجتمعاتهم الرعوية.
فبعض الأفراد يتفاعل مع قضايا المجتمع العامة خارج محيط أسرته، وأقاربه، ومعارفه، فحينما تقترب من دائرته هذه يحولها إلى قضية شخصية، وإلى قضية خاصة به.
وبعض الأفراد يتفاعل مع قضايا المجتمع إن كانت خارج محيط انتمائه، وحزبه السياسي، فحينما تقترب من دائرة حزبه، وانتمائه السياسي يحولها إلى قضية شخصية، وإلى قضية خاصة به.
أما الأفراد الذين يتفاعلون مع قضايا المجتمع بغض النظر عن علاقتها بمحيط أسرته، وقرائبه أو علاقتها بمحيط حزبه، وانتمائه السياسي، فهؤلاء ما زالوا غائبين عن مجتمعاتنا، ولا وجود لهم مما يشير إلى أن الصفات الرعوية ما زالت مسيطرة على مجتمعاتنا، وإن ادعينا أننا نسكن المدن ونجيد ربطة (الكرفتات).
صحيفة الانتباهة