إشارات على التشكيل الجديد: إنقلاب سياسي وغياب المعايير

(١) التشكيل الوزاري الذي اعلنه د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء وأعتمده الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة مساء الاثنين ٨ فبراير ٢٠٢١م، يعتبر بكل المقاييس إنقلابا سياسيا بإمتياز ، فهو يشكل مرحلة جديدة تراجعت فيها قوة وتأثير الحاضنة السياسية (احد أطراف الوثيقة الدستورية) وظهور قوى سياسية جديدة (أطراف العملية السلمية)، وهذه أكثر السمات بروزا ووضوحا في المشهد الراهن.
ويمكن أن نقف على عدة إشارات في التشكيل الوزاري :
أولا: تراجع تمثيل الحاضنة السياسية، كقوة موحدة، فقد دخلت الأحزاب بصورة واضحة، وعرف الرأي العام هذه المرة الخلفيات السياسية للوزراء، ووضح مشاركة حزب الأمة والمؤتمر السوداني والبعث وحق وآخرين، وهذا أمر مهم، بعد أن ظلت القوى السياسية تختبيء خلف لافتات مسميات مختلفة، وتنتقد الحكومة رغم أنها اقترحت الوزراء.
وثانيا: أحتفظ رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك بالداعمين الرئيسين لسياساته وتوجهاته وهم د. ياسر عباس وزير الري والموارد المائية ود. نصرالدين عبدالباري وزير العدل ونصر الدين مفرح وزير الاوقاف والشؤون الدينية ود. انتصار صغيرون وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، مع الإشارة إلى أن د. الهادي محمد الأمين وزير الإستثمار من المحسوبين على مجموعة د. حمدوك وجئ به ممثلا للمجتمع المدني، كما أن رجل الأعمال إبراهيم الشيخ ظل من المحافظين على الخيط الرفيع في الصلة مع رئيس الوزراء وهو من المساندين للسياسات الإقتصادية منذ إجتماع ٥ أبريل ٢٠٢٠م بمنزل د. حمدوك، دون أن ننسى د. عمر النجيب وزير الصحة وهو من طائفة الشيوعيين الخارجين عن الحزب (انشق عام ١٩٩٤م) وأنضم لحركة حق بقيادة الراحل الخاتم عدلان، وعليه يبدو د. حمدوك أكثر إرتياحا الآن وبسطة في طرح رؤاه وأفكاره.
وثالثا: غياب طرف من المنشقين عن قوي الحرية التغيير، ومن المجموعات المؤيدة لرئيس الوزراء وهي جماعة (٩+١)،وتضم محمد وداعة ومحمد ضياء الدين، بينما نال محمد عصمت وزارتين (هاشم حسب الرسول للإتصالات وحمزة بلول للإعلام)، مع ان المجموعة عقدت إجتماعا مع د. حمدوك وأكدت دعمها له.
رابعا: غياب كل التيارات النشطة ومنها المجموعات الإسلامية ونقصد هنا جماعة أنصار السنة المحمدية وجماعة الأخوان المسلمين ومجموعة النشطاء في تجمع المهنيين والممثلين للتيارات الشبابية وحتى الوزارة تم إسنادها لحزبي (يوسف الضي).
خامسا: تخلص د. حمدوك من الوزراء ذوي التوجهات السياسية الصارخة، فقد أقال د. أكرم في يوليو ٢٠٢٠م حين رفض الإستقالة واستبعدت الحسابات السياسية بروف محمد الامين.
سادسا: ابتعاد نجوم (ساحات الإعتصام) من التشكيل الوزاري، وهم عباس مدني عباس وفيصل محمد صالح وولاء البوشي، وهذا يدلل على غياب تأثير لجان المقاومة وتيارات الضغط (مجموعة تتريس الشوارع)..
(٢)
وجانب آخر في التشكيل الوزاري، وهو البحث عن المعيارية، و بالتأكيد هناك أسئلة مهمة ونوجزها في الآتي:
اولا: غياب التمثيل العادل للنساء، وضم التشكيل الوزاري ٤ وزيرات فقط من أصل ٢٥ وزارة، وهى نسبة لا تتجاوز ١٦٪، بينما الحديث يدور عن نسبة لا تقل عن ٤٠٪ وبهذا تعتبر هذه اقل مشاركة للنساء في تشكيل حكومة منذ أكثر من عقدين.. وهذا تراجع محير ومحبط، وإذا أستصحبنا (زوبعة) مجلس الوزراء في تشكيل مجلس الشركاء، نكتشف لأي درجة تتحكم المزايدة السياسية في أقدار السياسة في السودان.
ثانيا: من غير العدل ان نتحدث عن الخبرة لبعض الوزراء وقد جاء كثر منهم تمثيلا لحركات مسلحة وقوي صغيرة، دون أن نسقط ضرورة الكفاءة من حيث التأهيل الأكاديمي والتخصص، وهذا الأمر غائب في بعض الوزارات، ومثلا وزير الثروة الحيوانية، لا تربطه اي علاقة أكاديمية أو عملية بوزارته، ولم نطلع على السير الذاتية للآخرين.
وثالثا : ثمة أجندة مهمة في الساحة، فمن الجيد إبقاء د. ياسر عباس في وزارة الري والموارد الطبيعية مع تحديات سد النهضة ، وكذلك الفريق ياسين إبراهيم وزير الدفاع مع التوترات الحدودية بالشرق، لكن تعيين د. مريم الصادق المهدي وزيرة للخارجية يعني بقاء ملف التطبيع خارج الوزارة (وذلك إستنادا لموقف حزب الأمة القومي من التطبيع)، وقد اسهمت الضغوط الشعبية في إبقاء بروفيسور محمد الأمين بعيدا عن وزارة التربية والتعليم مع جدل المناهج.
(٣)
و بالتأكيد فإن هذه حكومة إنتقالية ذات مهام محددة، فهل تحقق ذلك في التشكيل الوزاري؟
اولا: وما خلا إنزعاج حركة العدل والمساواة من إختيار معتصم محمد صالح وزيرا للرعاية الإجتماعية بدلا عن أحمد آدم بخيت، فإن الوزارة حوت تمثيلا مناسبا لكل الموقعين على إتفاق السلام.
ثانيا: جاء إختيار وزراء الإقتصاد يفتقر للنسق، مدارس مختلفة، توجهات سياسية مختلفة، خبرات مختلفة، إنها تعبير حي للإفتقار لمشروع إقتصادي ضابط وحازم، لقد قال د. عبدالله حمدوك في تعليقاته: إن هناك سياسات إقتصادية قيد الإعلان والتنفيذ، وهنا يثور أكثر من سؤال:
– هل تخلي د. عبدالله حمدوك عن مقررات المؤتمر الإقتصادي (سبتمبر ٢٠٢٠م)؟
– هل شاركت التوليفة السياسية الجديدة من الوزراء الجديد في تحديد ومناقشة هذه السياسات؟
– يستطيع د. حمدوك تطويع وزراء بدرجة (رئيس حزب (إبراهيم الشيخ) ورئيس حركة (جبريل إبراهيم) وممثل تيار مدني (الهادي محمد ابراهيم) وآخرين) لخياراته الإقتصادية مع تكلفتها الشعبية القاسية..
تلك إشارات عجلي، مع ملاحظتين أخيرتين :
– فتور التفاعل الداخلي والخارجي مع إعلان الحكومة، ومع ردود الفعل المتباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الإهتمام الخارجي دبلوماسيا وإعلاميا كان محدودا جدا.
– وثانيا فإن الإختبار الأساسي لهذه الحكومة إعلان ثلاث ولايات حظر تجول بسبب التظاهرات الشعبية (شمال كردفان والقضارف وشمال دارفور) وولاية أعلنت تعطيل المدارس (جنوب دارفور) وولاية الخرطوم تغلق طرقاتها كل يوم والأزمات تتلاحق، وتغيير الوجوه قد لا يشكل فارقا عند الذين يعانون شظف العيش والمسغبة ومعاناة فوق حد الوصف، وذلك الإمتحان.

د. إبراهيم الصديق على

Exit mobile version