* لا أحد يستطيع أن يلوم د. عبد الله حمدوك على الخروقات التي تعرضت لها الوثيقة الدستورية، وعلى رأسها تعطيل تكوين المجلس التشريعي، لأن تلك المهمة لا تندرج تحت نطاق مسؤولياته، إذ أنها منوطة بالحاضنة السياسية للحكومة.
* لكن الواضح لكل ذي عينين أن حكومة حمدوك استمرأت ذلك الوضع واستساغته، لأنه وفر لها بيئةً مناسبةً لسنِ تشريعاتٍ جديدةً، وتعديل قوانين سارية بمعزل عن (خوتة) البرلمان الانتقالي.
* رئيس الوزراء ليس مسؤولاً عن الانتهاكات المتتالية للوثيقة، لكنه مسؤولٌ قطعاً عن ضعف أداء حكومته، ومسؤول عن فشلها في توفير أبسط مقومات العيش الكريم للمواطنين، ومسؤول عن إبقاء ست وزارات سيادية بلا وزراء أصيلين أكثر من ثمانية أشهر، ومًلامٌ عن عدم تعيين والٍ لكسلا لأكثر من نصف عام.
* حمدوك مسؤول أيضاً عن كل القرارات الحمقاء التي اتخذها وزراء أسيء اختيارهم ابتداءً، وترك لهم رئيس الوزراء الحبل على الغارب.. مثال على ذلك قرار مضاعفة مرتبات موظفي الدولة بنسبة (569%) في عز زمن انحسار الإيرادات الحكومية بفعل الكورونا.
* رئيس الوزراء مسؤول أيضاً عن سوء أداء وزارة الصحة، الباقية في عهدة وزير مُكلف في زمن الكورونا، ومسؤول عن هدر مبالغ طائلة بالعملات الأجنبية، وصلتنا من دول ومنظمات أجنبية لدعم مجهودات البلاد في مقاومة الجائحة، ولم يُعرف لها مصرف حتى اللحظة.
* حمدوك مسؤول أيضاً عن سوء أداء وزارات القطاع الاقتصادي، وعلى رأسها وزارة المالية التي كررت أخطاءها الفاحشة في عهدي البدوي وهبة، مرة مع شركة الفاخر، ومرةً ثانية مع محفظة السلع الاستراتيجية، ومسؤول عن تخليه عن إدارة الملف الاقتصادي كله للجنة الطوارئ التي يقودها الفريق حميدتي.
* كانت محصلة ذلك التواكل الغريب غلاءً فاحشاً، وفقراً مدقعاً، وصفوفاً مُتراصة، وشحاً شديداً في كل السلع الاستراتيجية، وتدنياً مريعاً في الخدمات الأساسية، وانقطاعاً دائماً للكهرباء، وانعداماً للأدوية والمستهلكات الطبية، وتعدياتٍ متتاليةً على المال العام، بتجاهلٍ مريع لقانون الشراء والتعاقد.
* رئيس الوزراء مسؤول عن الفشل الذريع الذي أدير به ملف التعليم، بتخبطٍ غير مسبوقٍ في أمر تعديل المناهج، وبالعجز عن استئناف العام الدراسي المُهدد بالتجميد، وبالإخفاق في تنفيذ الوعود البراقة التي بذلتها حكومته بشأن مجانية التعليم وتوفير الوجبة المدرسية للتلاميذ.
* كذلك يؤخذ على حمدوك انكفاؤه على نفسه في مكتبه بشارع الجامعة، وعدم اهتمامه بالخروج إلى الولايات لمتابعة ما يحدث فيها على أرض الواقع.
* لم يزر حمدوك مشروع الجزيرة على مدى ثمانية عشر شهراً أمضاها في المنصب، ولم يبادر بمراجعة سير العمل (المتعثر) في الموانئ إلا مرةً واحدةً، ولم يجد في نفسه دافعاً يحضه على السفر إلى الولايات لمتابعة ملف الاقتتال القبلي الذي أودى بحياة مئات الأبرياء في بورتسودان والجنينة وقريضة وكسلا وغيرها.
* حتى الأحداث الساخنة التي وقعت في ولايتي القضارف ونهر النيل مؤخراً لم تدفعه إلى الخروج من مكتبه الوثير إلى سوح السودان الكبير، ويكفي أن نشير إلى أن حمدوك اكتفى بتوجيه النائب العام بزيارة مدينة الجنينة التي شيعت قرابة المائتي قتيل في يومين، وأن النائب العام نفسه اكتفى بإرسال وفدٍ يمثله، لمتابعة حربٍ مُرعبةٍ، استخدمت فيها أسلحةٌ ثقيلةٌ، وفُقدت فيها أرواح غالية، وسُفكت فيها دماءٌ زكية.
* زيارات رئيس الوزراء للولايات تُعدُّ على أصابع اليد الواحدة، وهنا يطيب لنا أن نقول له (عفواً حمدوك).. فالسودان ليس محصوراً في الخرطوم.
* لو واصل رئيس الوزراء عمله بالنهج الذي جعل عبارة (شكراً حمدوك) تصبح جزءاً من برنامج (من الأمس) فسيكون الفشل حليف الحكومة الجديدة، حتى ولو أتت بوزراء مؤهلين، إذ أننا لم نر فيه – حتى اللحظة – ملامح القائد القادر على إدارة ملف الانتقال، مع أنه تمتع بسندٍ شعبيٍ جارف، لم يتوافر لأي سياسي في تاريخ السودان المعاصر.
* الحكومة المقبلة ستشكل الفرصة الأخيرة للدكتور حمدوك، كي يثبت أنه أهلٌ للمنصب، وبحجم السند الذي وفره له شعبه، وإذا أخفق في استثمارها فسيضع بلاده في مواجهة مصيرٍ مرعبٍ، وسيصنف نفسه كأفشل رئيس للوزراء في تاريخ السودان.