الثورة انتصرت في ملف الحريات، وهو أهم الملفات على الإطلاق في حياة الإنسان، لو ان الانسان تدبر أمره واستذكر الغايات العليا في الوجود، ورتبها تصنيفا وفق الاولويات، فالحرية دوما تكون في رأس الغايات وقمة الأولويات الانسانية، الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان عن غيره من الكائنات، لم يميزه بالطعام فكل الحيوانات تأكل، ولم يميزه بالتناسل فالحيوانات تنجب ايضا، ميزه بالعقل والحرية، العقل الذي يوزن الأمور ويحدد الخيارات الصحيحة والخطأ، والحرية التي تجعل الانسان حرا في الاختيار، وحرا في تغيير هذا الاختيار في اي لحظة من لحظات حياته، وهذه هي أكبر مكاسب الإنسان في الوجود، العقل والحرية، لا يكون الإنسان إنسانا اذا نقص من أحدهما شيئا.
ثورة ديسمبر حققت الحرية لأهل السودان، بعض الممارسات والتجاوزات هنا وهناك لا تقدح ابدا في الدرجة التي وصل إليها السودان من انتشار حرية التعبير والتنظيم والتنقل والانتماء السياسي وأداء الشعائر والعبادات وغير ذلك من أنواع الحريات، هذه المكاسب يعيها ذوو الألباب والنخب المتعلمة ولكن ليس جميع السودانيين متعلمين، نسبة الأمية في السودان تتخطى ال ٥٠% في النساء وتتخطى ال ٣٠% في الرجال، وهؤلاء قد لا يوزنون الامور كما يوزنها المتعلم، وقد يغيرون في مواقع الغايات ويستبدلون في مواضع الاولويات، فلا يأبهون بالحرية، ويعظمون من قيمة الطعام والشراب والخدمات، وهي ليست منقصة، فالبحث عن حياة كريمة من ناحية الرفاه الاقتصادي هدف انساني نبيل لا يمكن التشكيك فيه، ولكن غض الطرف عن الظروف المحيطة بتوفير (اللقمة) وعدم الاهتمام بمن يوفرها، دكتاتورا كان ام نظاما ديمقراطيا، هو الأزمة، وهو الخيط الذي يلعب عليه الانتهازيون والباحثون عن السيطرة والانقلابات.
نعم يعاني السودان من أزمة اقتصادية خانقة قد تودي بحكومة الثورة، ولكن السودان الآن من أفضل الدول الإفريقية في الحريات العامة، وما يعيشه الإنسان السوداني الآن من حريات لو أنها تباع لاشتراها منه جيرانه من دول الاقليم بكل ما يملكون، فالحرية غاية ليس من السهل بلوغها، والتفريط فيها بعد بلوغها وانتزاعها من براثن الحكم الشمولي بداعي الانهيار الاقتصادي او بحجة غياب القصاص لشهداء الثورة او بمبرر مشاركة العسكر في الفترة الانتقالية هو مجرد غباء وجهل وسطحية.
عضوا على مكاسب الثورة بالنواجذ، وعضضوها بالوحدة والعمل المشترك، فوتوا الفرصة على أعداء الثورة الباحثين عن انهيار اقتصادي ليعودا فوق ظهره للسلطة، ان كان شعار الثورة في ديسمبر ( تسقط بس) فليكن شعار الثورة الآن في مواجهة الازمة الاقتصادية (نصبر بس)، نصبر على الجوع لنحافظ على الحرية، فحياة الحر لا تقاس بالطعام.
صحيفة السوداني