بالأمس سردنا المصادفة التاريخية التي جعلت مفتشي الغيط في الجزيرة يسكنون السرايات المعزولة عن قرى المزارعين فهي أصلاً لم تكن ذات جدوى اقتصادية إنما اقتضتها ظروف الخواجات الذين أسسوا المشروع فورثها المفتشون السودانيون كما ورثوا كافة الأنماط الإدارية التي كان يدير بها الخواجات المشروع بما في ذلك الإدارة عن طريق (الكرباج) .بعد السودنة ظلت قرى الجزيرة في تخلفها الاجتماعي رغم نشأة قسم الخدمات الاجتماعية الذي كان يأخذ من واحد إلى اثنين في المائة من العائد لزوم الآبار والمدارس فظل تأثيره محدوداً ولكن في سبعينات القرن ونتيجة لتراكم سنوات الاستقرار في الجزيرة وازهار التجارة ثم الاغتراب بدات قرى الجزيرة في النمو والتطور فانتشرت بها الخدمات التعليمية والصحية والأسواق والكهرباء والذي منه فأصبحت أصلح للسكن من سرايات المفتشين ولكن رغم ذلك تمسكت إدارة المشروع بالسرايات وسعت لتقديم بعض الخدمات لها ولكن التكلفة كانت عالية فتخيل بئر ارتوازي كامل ومولد كهرباء كامل لبيت أو بيتين أما الصحة والتعليم فكانت بالترحيل.
(2 )
ثم جاء قانون 2005 الذي نسف الهيكل الإداري لمشروع الجزيرة فتقرر وبصورة عشوائية إنهاء خدمات المفتشين ولم تتم عملية تسليم وتسلم للسرايات فشملتها الفوضى الناجمة من التطبيق السيئ للقانون التي طالت الكثير من أصول المشروع فهجر المفتشون السرايات وتركوها عرضة للسلب والنهب ثم التحطيم ولم يقم المزارعون بحمايتها كما يحمون مؤسساتهم التعليمية والصحية، فالعلاقة بينهم وبين السرايات لم تكن ودية في يوم من الأيام المهم في الأمر حدثت أخطاء كارثية تستوجب المحاسبة وهي جريمة كاملة الأركان، فالسرايات مال عام تملكه حكومة السودان ممثلة في وزارة المالية بموجب ذات القانون وإن جينا للحق فهي مملوكة للمزارعين مثلها مثل الخزان الذي سددت تكاليف إنشائه من نصيب المزارعين، وهذه قصة أخرى المهم في الأمر تحولت تلك السرايات الغناء إلى خرابات اللهم إلا القليل منها والذي قام بحمايته نفر مخلص من المفتشين والمزارعين.
(3 )
أي قانون أو محاولة لإعادة مشروع الجزيرة وتلك السرايات إلى سيرتها الأولى محكوم عليها بالفشل لأنها حركة ضد عقارب الساعة فالسرايات مثل القانون القديم أصبحت متخلفة وتجاوزها الزمن فمزارع اليوم غير مزارع الأمس كما أن ثورة الاتصالات قد أوجدت أنماطاً إدارية أبعد ما تكون عن المباني الخرسانية وأشجار النيم والحنة الغناء وقرى المزارعين بما فيها من مبان ومعان جعلت السرايات بصورتها القديمة كانتونات متخلفة ولكن مع ذلك فهذه السرايات كنز عظيم ينبغي عدم التفريط فيه، فيمكن أن تتحول إلى حقول إيضاحية تنطلق منها الثورة الزراعية المنشودة . هذه الثورة التي نتمناها لايمكنها أن تعامل مشروع الجزيرة كله كحقل واحد وبالتالي لابد له من مئات مراكز الأبحاث ثم أنه أصبح لا بد من صناعة تحويلية للمنتجات الزراعية حتى تكتمل سلسلة الإنتاج فهذه السرايات يمكن أن تكون مراكز أبحاث ومناطق صناعية تحويلية ومخازن وتلاجات للصادر وأفرع للبنوك وبيوت التمويل فيا سيادة محافظ مشروع الجزيرة إذا نجحت النفرة وجه أموالها للري أولاً، فإذا فرغت منه أعمل نفرة أخرى وجهها للأبحاث الزراعية التي يمكن أن تستوعب الآلاف المؤلفة من الزراعيين . لقد سعدت أيما سعادة للخبر الذي جاء فيه أن إدارة مشروع الجزيرة قد تعاقدت مع شركة أم دبليو لتطوير نظام المشروع الإداري ليواكب العصر أما حكاية السكن فهي محلولة فقرى الجزيرة اليوم ولله الحمد تقول ليك (المافي شنو) ودونك على سبيل المثال طيبة الشيخ عبد الباقي والعقدة وأبوقوتة (أها عيبها لي ؟).
عبد اللطيف البوني – صحيفة السوداني