من الواضح أن اتفاقية سلام جوبا تعاني من (هشاشة) في العظام قبل نعومة أظفارها ، بسبب خطل المنهجية التفاوضية في الأساس وقبول الحكومة بتفاوض مع خمسة مسارات وارتضائها نتائج ذلك دون وضع حساب لعقلية حملة السلاح الذين لن يرضوا التنازل لصالح قوى مدنية التحقت بتحالفتهم قبيل التوقيع على اتفاق كل معد له أصلاً تحت المنضدة.
ولعل الخلافات الحادة التي نشبت هذه الأيام داخل الجبهة الثورية (1) و(2) هي شاهد عدل على أن الايام القادمة تنذر بانشقاقات عدة وسجال بين أطرافها ، فالمنظومات المتمثلة في مسار الوسط والشمال لم تجد حظها من التمثيل وباتت متمردة داخل الاجتماعات تجهر برفضها لطريقة المحاصصة التي انفردت بها حركات الكفاح المسلح لدرجة أن أحد القيادات من هذه المسارات رمى قنبلة أحدثت دوياً صاخباً عندما قال لقيادات من الحركات المسلحة (انتو كنتو بتتحاربوا براكم كأهل أنحنا شن دخلنا).
هوة الخلاف زادت حدتها بالأمس عندما انفض اجتماع الست ساعات دون التوافق على حصة الجبهة الثورية التي يرأسها الهادي ادريس فيما تمسكت الجبهة الثورية الاخرى التي يترأسها مناوي بموقفها ، كما تمسكت المسارات الاخرى بضرورة أن تلتزم الحكومة والوساطة بما نصت على اتفاقية جوبا في المادة 29 .
إزاء هذا الوضع المتأزم تدخلت لجنة تضم برمة ناصر وعلي الريح وطه عثمان اسحق لكنها لم تتوصل حتى مساء الامس لنتائج ، وهذا ربما يعطي الفريق برهان مبرراً لانفاذ تهديده بحالة الطورئ في البلاد ، وهو الانقلاب الأبيض الذي يخاف منه الكثيرين .
بالتأكيد مقترح البرهان لن يجد حظه من التطبيق في ظل الوعي الثوري ولكن سينسحب مسار الوسط ومسار الشمال والتحالف السوداني وتماذج وغيرها من المجموعات التي ألحقت بسلام جوبا ولم تكن حاملة للسلاح من الاتفاق ، وربما قد يثير ذلك السخرية ولكن من المؤكد أنه في ظل هذه الفوضى سيلجأ التوم هجو والجاكومي وقيادات تماذج لإلهاب المشهد السياسي وزيادته حريقاً باللساتك المطاطية في الشمالية والجزيرة وغرب كردفان وبعض ولايات دارفور ، فهؤلاء لن يتنازلوا وطينهم (لصق) في (الكرعين) وبقى أرجل يمشون بها داخل حرم الاتفاقية.
من المتوقع أيضاً أن الجبهتين الثوريتين (1) و(2) سيتفقان ويسلمان حمدوك قائمة الترشيحات، وإذا لم يحدث ذلك بالتأكيد سيعلن رئيس الوزراء الحكومة ولن ينتظر الجبهة الثورية حتى تحل خلافاتها حول المحاصصة ، (عموماً) الأيام القادمة ستشهد تحولات كبيرة وسط الجبهة الثورية، وفيما يراهن كثير من المراقبين على تماسكها يعتبر البعض أن الخلافات الحالية ستعصف بها وأنها بداية المواجهة بين مكوناتها وأنها (انبشقت)!!
صحيفة الجريدة