اسطورة جذب تحويلات المغتربين عن طريق القنوات الرسمية

ذكرنا في مقال سابق انه – من وجهة نظر الاقتصاد الكلي – لا يوجد فرق لو دخلت تحويلات المغتربين عن طريق البنوك ام عن طريق تجار السوق الأسود.

وقد اثار ذلك استغراب مفهوم من القراء فتساءل بعضهم عن المعني وكان ذلك إيجابيا لأنه حرك الحوار واتاح الإيضاح الِي الامام. واصلا هذه القضية غير مفهومة للكثير من أهل الاقتصاد دع عنك الناطقين بغيره.

وقد صارت تميمة جذب التحويلات كهدف سامي – لا يقوم اصلاح اقتصادي بدونه – علكة في كل فم معلق عن احوال الاقتصاد دون ان يعرف الحدود التي يجب ان يقف فيها قلمه.

أتاح الزعم أعلاه فرصة ثمينة للدجاج الذي أصابه جمكسين فشل الوصفة إياها في مقتل معنوي. وحاول الدجاج استغلال غموض النقطة للنهوض من دوخته التي وقع فيها حين نظر في مرآة الواقع وراي وقع سياساته علي الشعب.

لذا وجب توضيح اكثر للنقطة غير البديهية – واي نسمة يعرف شيئا عن العلوم يجب ان يعرف ان كلها تحتوي علي نقاط غير بديهية واحيانا تبدو في تعارض مع حس البداهة العام.

ابدأ بملاحظة أن تأثير تحويلات المغتربين علي الاقتصاد يأتي عبر ثلاثة قنوات: السعر وحجم التحويلات ونوع الواردات التي تمولها عملة المغتربين الأجنبية.

وزعمنا بان دخول البنوك في شراء التحويلات لن يغير أي من قنوات التأثير على الاقتصاد الكلي. فبعد دخول البنوك في النشاط التحويلات ستواصل الدخول عن طريق سعر السوق الذي يعمل به البنك (اذن لا تغيير) – ولو قل سعر البنك عن سعر السوق فلن يجذب أي مدخرات.

وسيظل حجم التحويلات كما هو بما ان دخول البنوك لن يغري أي مغترب بزيادة التحويلات لأنه لم يعجز في الماضي عن تحويل أي مبلغ من المال لعدم توفر البنوك (اذن لا تغيير في حجم التحويلات).

وذكرنا أيضا ان السوق الأسود سيظل موجودا وسيجذب جزءا من التحويلات ليمول بها أغراض لن تمولها البنوك – مثل تهريب الاموال والارباح والسفر وتجارة الشنطة واستيراد سلع كمالية. (اذن لا تغيير في حزمة الواردات التي تمولها تحويلات المغتربين).
المحصلة الأخيرة هي ان دخول البنوك التجارية في شراء التحويلات لن يحدث تغيير هام على مستوي الاقتصاد الكلي.

ولو كانت النقطة غميسة فلنضرب مثلا للإيضاح. تخيل الاقتصاد الوطني كاسرة كبيرة – وهو كذلك. هذه الأسرة تستلم تحويلا شهريا بمبلغ 500 دولار من عبد السميع المقيم في عرعر يبعثه عن طريق سرحان تاجر العملة.

من ذلك المبلغ تدفع الأسرة 200 دولار ايجار وماء وكهرباء و200 دولار طعام ومواصلات و 100 دولار فنكهة وطوارئ.
تخيل انه بعد قرار بنك السودان إياه قرر عبد السميع الاستغناء عن خدمات سرحان وبدأ في ارسال مبلغ ال 500 دولار عن طريق بنك قحت.

لاحظ ان عبد السميع ما زال يرسل 500 دولار لأنه اختار ذلك المبلغ سابقا لأسباب لا علاقة لها بطريقة ارساله الِي الخرطوم – مثل مستوي دخله وعدد أطفاله وأهدافه الخاصة ودرجة كرمه وتقديره لاحتياجات اهله.

وهكذا صارت الأسرة تستلم المبلغ من البنك بدلا عن سرحان تاجر العملة ولكنها ظلت توزع المبلغ علي قنوات صرفها بنفس النسب أعلاه لان بنية الصرف التي اختارتها الأسرة قامت علي خيارات تعبر عن احتياجاتها وتفضيلاتها التي لا علاقة لها بطريقة وصول التحويل فالأسرة يهمها التحويل لا من أتي به.

بعد ان تغيرت قناة توصيل التحويلات للأسرة لتاتي عبر البنوك هل تغير شيئا في اقتصاد الأسرة؟ بالطبع لا.
والاقتصاد الوطني كذلك, لا فرق.

لاحظ أننا قلنا انه لا توجد تأثيرات علي الاقتصاد الكلي جراء دخول البنوك في المجال ومصطلح كلي له معني محدد في علم الاقتصاد لا يعرف حدوده جحافل المعلقين الجزافيين نذكر منه فقط انه يتجرد من القضايا التوزيعية.

من الواضح ان انتقال جزء من مال التحويلات للبنوك سيتيح لها فرص عمل إضافية للاسترباح علي حساب تاجر العملة التقليدي الذي قل نصيبه من كيكة التحويلات.
ولكن انتقال بعضا من الربح من التاجر الِي البنك لا يعني أي شيء للاقتصاد ككل او للمواطن فيما يخص حياته المواطن التي تتأثر فقط بالأسعار وتوفر الواردات من سلع استهلاكية أو مدخلات انتاج أو سلع رأسمالية.

لاحظ اننا اكتفينا بوصف القرار بأنه لا تأثير له ولم نفتى في صحته أو غير ذلك رغم انه من ناحية اخري فمن الممكن برشة ان دخول البنوك في المجال سيخلق طلبا إضافيا علي العملات الأجنبية ينجم عنه المزيد من ارتفاع أسعارها في سباق مسافات طويلة بين البنوك والسوق الأسود الذي تمرس وقوي عوده في عقود طويلة

د. معتصم أقرع

Exit mobile version