خبير حكم محلى غربي خاطب إدارياً سودانياً ابتعثته الحكومة السودانية في دورة تأهيلية قائلا أنت مسئول عن المواطن قبل أن يولد بتوفير الرعاية الطبية الأولية إلى أن يعود من حيث أتى ويجد مستقرا أبديا في باطن الأرض بعد موته فقال له (هازئا أو مستنكرا لا أدري) هل أنا أبوه فرد الخواجة بل أنت أكثر من ذلك… معنى الحديث منقول من مداخلة إداري سابق في ورشة تطوير وترشيد الحكم المحلي التي نظمتها لجنة الحكم اللامركزي بمجلس الولايات بمركز الشهيد الزبير التي قدمت فيها ثلاث أوراق علمية قيمة ناقشت مشاكل الحكم المحلي وحظيت بمداخلات لافتة من الحضور الإداري الكثيف جملة ما دار في الورشة تكشف عن حال هذا المستوى المهم من الحكم تبين ما إذا استفدنا من مفهوم الخبير الغربي المتقدم عن الحكم المحلي أنزلناه في واقعنا
* جينات الوحدة والتفتت
الورقة الأولى التي جاءت بعنوان ( الحكم المحلي قاعدة الفدرالية بين طموحات التشريع وواقع الممارسة ) التي قدمها خبير الحكم المحلي و الفدرالية الأستاذ على جرقندي النعيم تعرض للحكم المحلي بالتحليل والمراجعة من خلال الممارسة والواقع.
و استهلها بعنوان جانبي يقول الفدرالية الإجابة على الأسئلة الصعبة وأكد أن بنية المجتمع السوداني تحمل في أحشائها جينات التوحد والانسجام كما تحمل في نفس الوقت خميرة التفتت والتجزئة وعلى ذلك فإن الفدرالية السودانية معنية في الأساس بتطوير جينات التوحد و الانسجام و أن تكون وسيلة فعالة ودواء ناجع لداء التخلف التنموي وضيق فرص المشاركة السياسية من خلا مجابهة تحديات تأمين وحدة البلاد سياسيا وأمنيا والارتقاء البنية الاقتصادية الهشة وتفاوت نسبة الوعي و التنمية بين الولايات.
وتشير الورقة إلى أن تطورا حدث في مراحل الحكم الفدرالي الثلاث المتمثلة في مراحل المراسيم الجمهورية و دستور عام 1998م واتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي التي عددت وسائل قسمة السلطة والثروة وطورت النظام الهيكلي للدولة بما يلائم واقع الحال.
في محور قسمة الإيرادات في ظل الاتفاقية تقول الورقة: الاتفاقيات في الواقع في مجملها عملية توافقت على صيغ محددة في قسمة السلطة والثروة و أبرز المبادئ الموجهة للثروة تحقيق العدالة في قسمة الموارد وإعادة أعمار المناطق التي لم تجد حظها من التنمية واستقطاب دعم المانحين الدوليين اعمال الشفافية والعدالة في المؤسسات.
في اطار هذه المضامين بدأ العمل في قسمة الثروة وفق آليات ومعايير جديدة اعتبارا من العام 2007م بإطلاع مفوضية تخصيص مراقبة الإيرادات المالية بعملها فعلا.
وعن آليات القسمة يقول جرقندي إن الدستور الانتقالي استحدث آليات جديدة في هذا المنحى فأشارت المادة (197) إلى أن العائدات القومية تودع في صندوق قومي يسمى الصندوق القومي للعائدات وتديره وزارة المالية على أن تكون موارده هي الخاضعة للقسمة بين الحكومتين القومية والجنوب ويشمل ضمنيا ما ترتب على اتفاقيتي أبوجا والشرق.
* فجوة الامكانيات
وتعرج إلى اختصاصات المفوضية وتقول أنها تحديد نصيب كل مستوى من مستويات الحكم في الموارد المالية المودعة في الصندوق القومي للعائدات و مراقبة ما تخصصه من موارد للمستويات المختلفة للتأكد من ضمان وصوله وصرفه في المجالات الصحيحة.
في الجانب العملي تقول الورقة أن ميزانية العام المالي 2007م شهدت نسبا محددة لتقسيم العائدات بين الحكومة القومية وحكومة الجنوب والولايات الشمالية وفقا لقانون الاعتماد المالي لسنة 2007م والذي أجيزت بموجبه الميزانية فجاءت النسب على النحو التالي
– 55،2 % للحكومة القومية
– 16،2% لحكومة الجنوب
– 28،6% للولايات الشمالية
كما تم حجز (10%) من جملة الإيرادات كاحتياطي تتم تسويته أواخر العام وفقا للتدفقات النقدية شريطة أن يكون حساب الاحتياطي صفرا عند بداية الميزانية الجديدة.
ولضبط الأداء صممت المفوضية نظام مراقبة ومتابعة شامل يحوي التدفقات النقدية لبنود الميزانية ومراقبة ما يدخل وما يخرج من الصندوق ويستوعب النظام إجمالا
الإيرادات البترولية وغير البترولية الواردة شهريا ، التخصيص الرأسي بين مستويات الحكم والتحويلات الشهرية ، نصيب الولاية المنتجة للبترول ، ميزانية التنمية للولايات الشمالية ، مخصصات صناديق الإعمار
وتتساءل الورقة عن ما إذا كانت الإيرادات تغطي الحاجة الفعلية للولاية وتجيب بأن الفرضية المبنية على الأرقام تقول إن مشكلة مواردية تواجه المحليات لأن المصدر الرئيسي لتمويلها عاجز عن تمويل نفسه بصورة كافية حيث أن أفضل الولايات بإستثناء ولايتي الخرطوم والبحر الأحمر من مواردها الذاتية في موازنتها العامة لا تتجاوز (25%) الأمر الذي يضع الولايات في مرمى نيران الأزمة الاقتصادية العالمية لاعتمادها كلية على الموارد القسمة القومية التي تتأثر بالاقتصاد العالمي خاصة وأنها بدورها تعتمد على البترول.
وتتحدث الورقة عن تعاظم أوجه الصرف على شاغلي المناصب الدستورية الذين بلغ عددهم في الولايات الشمالية لوحدها (446) دستوريا.
(أنظر الجدول) رقم (2)
* في الاتفاقية والدستور
في هذا السياق تشير الورقة إلى أن تعديلات كثيرة طرأت في نظم و وضعية و علاقات الحكم المحلي وفقا للدستور والاتفاقية فأصبح مستوى رابع للحكم وفقا للمادة (24) من الدستور وشأنا ولائيا وضمنت لها علاقات متوازنة مع المستوى الولائي و المستويات الأخرى بما ورد من تشريعات تؤكد احترام ذاتية كل طرف والتعاون فيما بينها بدلا من التنافس و تعزيز التواصل بين الحكومة القومية ومستويات الحكم الأخرى ، احترام وضع مؤسسات الحكم الاتحادي حسبما جاء في الفصل الرابع من الدستور تحت عنوان ( الروابط بين مستويات الحكم )
وتعود الورقة وتتساءل ما إذا كان الوضع القانوني الجديد قد أثر على أدائها سلبا أو إيجابا وتجيب بأن الإجابة تبرز من خلال المعالجة التي تمت في الولايات الشمالية بإصدار قوانين الحكم المحلي قد عالجت على وجه الإجمال أوضاع الحكم المحلي من الناحية النظرية على الأقل بالرغم مما يلاحظ في بعضها شيء من التناقضات في جانبي العلاقات الموارد.
وتخلص الورقة إلى أن التطبيق أفرز أولا تدخل الأجهزة الولائية في الشأن المحلي الحصري بشكل يؤدي للإخلال بميزان التوازن بين مستويات الحكم
ظهر خلل بائن في علاقة الحكم المحلي بالمحليات وغموض اختصاصات و سلطات الوزارة.
* غياب التشريع
رغم أهمية دورها فإن المجالس التشريعية المحلية لم تقم بدورها بصورة جيدة وتعزو ذلك إلى عدم انتخاب أعضاء المجالس وضعف الكوادر التشريعية ومفهوم الرقابة على الجهاز التنفيذي و انعدام التواصل بين أعضاء المجالس التشريعية في الولايات ومع المنظمات الإقليمية والدولية المختصة.
في محور آخر توضح أن الحكم المحلي تأرجح هيكليا طوال تاريخه بين الزيادة والنقصان وأن عددها وصل في أقصاه إلى (5160) مجلسا في عام 1971م وأدناها (86) في 1951م بينما الآن (154) مجلس في الولايات الشمالية لوحدها.
ويرجع جرقندي في ورقته هذا التأرجح إلى البحث عن كفاية الموارد المحلية والعوامل السياسية والأمنية والجغرافية غير أنه عاد وقال إن العامل السياسي هو الغالب في الفترة الأخيرة الأمر الذي قلب موازين المعادلة في معظم المحليات بالولايات الشمالية حيث أنه بدوافع سياسية في المقام الأول ارتفع عدد المحليات من (91) إلى (154) خلال الفترة من 2003 إلى 2008 م ففي شمال دارفور قفز عدد المحليات في ذات الفترة من (6) محليات إلى (16) محلية والنيل الأبيض من (4) إلى الضعف ويأخذ على هذه الزيادة عدم إخضاعها لمعايير أخرى هامة خاصة معيار الموارد وحتى الآن لم تتمكن أية ولاية شمالية من خلق توازن بين مواردها واختصاصاتها المحددة بالقانون.
ولاية كشمال كردفان لم تتجاوز نسبة تحصيلها في العام 2007م (37%) من ربطها ومع ذلك هي ليست أسوأ ولاية في هذا الشأن ويرجع ضعف الموارد إلى أسباب أبرزها عدم منح التشريع الولائي مواعين مواردية فعالة للمحليات و الأثر السياسي في توليد المحليات قسمة الموارد الرأسية والأفقية بين المستويين القومي والولائي لم تشمل المحليات وضعف التدريب ففي ولاية مثل سنار جملة العاملين بها تقارب (22) ألف الذين نالوا تدريباً قصير المدى فقط (437) وطويل المدى (8) من العاملين.
وإذا كانت التنمية البشرية بهذا التواضع فإن التنمية المادية أكثر تواضعا معظم محليات الولايات الشمالية لا يوجد بها فصل رابع ( التنمية) في ميزانيتها السنوية وجميع ايراداتها بما فيها القادمة من الولاية لا يتعدى الفصلين الأول والثاني وكمثال وردت ولايات (سنار، الشمالية ، النيل الأزرق)
* توصيات
وتخلص الورقة إلى تقديم عدد من المقترحات لتجسير الفجوة ما بين الواقع والطموح حسب تعبير معدها الذي بدأ بالتشريعات ويقترح مراجعتها لازالة الإرباك والتعارضات مع الالتزام بتنفيذ مقتضيات التشريع بما يحقق الاستقلال الحقيقي لمستوى الحكم المحلي
مراعاة التوازن بين اختصاصات المحليات و مواردها دون ارهاق المحليات بإختصاصات لا تقابلها موارد كافية
اكمال انتخاب المجالس التشريعية لتتولى مهام الاشراف والرقابة على الأداء التنفيذي بالمحليات
في جانب إنشاء المحليات التقيد بأقصى حد ممكن بإعمال معايير إنشاء المعروفة دون الإعتماد على واحد وعدم استعمال المحليات كأداة لإطفاء الحرائق
إعادة التوازن بين موارد المحليات و إختصاصاتها و النظر في امكانية ادخال المحليات في القسمة القومية
وفي العلاقات إعادة النظر في علاقة وزارة الحكم المحلي والخدمة المدنية بالمحليات بما يحقق الاستفادة من وجودها كوزارة ترعى شئون الحكم المحلي بدلا من هذه الوضعية التي لا تبرر حتى مسمى وزارة الحكم المحلي.
انشاء إدارة للتخطيط والبحوث في كل محلية لتتولى مهام الدراسات والتخطيط ووضع الأولويات وتطوير الموارد.
والسعي لإنشاء إتحاد المحليات بالسودان ليكون منبرا للتواصل والترابط الداخلي بين أجهزة الحكم المحلي و ذراعا للعلاقات الخارجية مع الاتحادات الإقليمية والدولية المشابهة سعيا لكسب المزيد من المعارف والخبرات.
قذافي عبد المطلب :الصحافة