سياسة (كتم الأنفاس)…!

-١-
علة مركزية ستورد الدولة السودانية موارد الهلاك.
غالب القائمين على أمرها من أهل السلطة يفتقدون للخبرة والمعرفة العملية بشؤون الحكم.
والأخطر من ذلك، الجهل التام بكيمياء المجتمع وطبيعة تفاعلاته وانحيازاته وشبكة علاقاته الكهربائية.
تخيّل أعزك الله ما يمكن أن يترتب من مخاطر على تعامل طفل طائش داخل محطة كهربائية أو نووية!
لن يمضي وقت طويل سرعان ما تكتشف الحكومة الانتقالية أنها قد اختارت ركوب قطار الجنون.
ولم ترخ سمعها لشاعرنا عبد القادر الكتيابي وهو يقرأ عليها:
لم تتب أمس القريب
من التضرع للمنابر والعوابر والعيون
أوَ لم تعاهد بطن كفك أن تطوع مِقود الحرف الحروف؟!
عجباً لقلبك تنشد التقوى وتركب للهوى عمداً قطارات الجنون!!
-٢-
لو كان بإمكان جهة أن تقضي على خصومها السياسيين وتمسح وجودهم من الخارطة الوطنية، لنجحت سلطة الإنقاذ في ذلك!
حينما دخلت جنة السُّلطة وظنت – ظالمة لنفسها – بألا تبيد سلطتها أبداً، فكان السقوط الداوي المُذل.
السُّلطة مُغرية بالقوة، وعامية للبصيرة، وموهمة بطول الأجل واستدامة النعيم.
لمصلحة الوطن وترسيخ الاستقرار لا خيار سوى إنهاء لعبة الإقصاء والإقصاء المُضاد.
-٣-
تجريم كل الإسلاميين ووضعهم في (فتيل الإدانة) واعتقال كل قياداتهم المُعتدلة والمُتطرِّفة، نهجٌ سياسيٌّ غير حكيم ولا رشيد ولن يأتي بخير.
حينما أقصت الإنقاذ، مُعارضيها وأغلقت أمامهم منافذ المُمارسة السلمية، لم يكن أمامهم سوى الالتجاء للعُنف وإشعال الحرائق في الأطراف.
وعندما انقسم الإسلاميون بين (وطني وشعبي)، وتمّت مُحاربة حزب الترابي بأدوات السُّلطة في الخرطوم، كان خيارهم إشعال الحرب في دارفور.
هذه قاعدة مُستلفة من قوانين كرة القدم: (مع التكتُّل الدفاعي يكون الهجوم عبر الأطراف)!

-٤-
قلناها من قبل مراراً وتكراراً:
على الحكومة توقُّع الأسوأ، بعد اختيار الولاة المدنيين من داخل النادي السياسي الحزبي، محدود الوجود والتأثير في الولايات.
الوضع في الولايات مَشحونٌ بالحساسيات الكهربائية بين القبائل، وربما داخل القبيلة الواحدة.. يحتاج لوعي واسع وإدراك شامل ومعالجات حكيمة بأصابع ماهرة ويقظة، لتجنب اشتعال الحريق.
سيكتشف الأستاذ وجدي صالح قريباً أن الأجهزة الأمنية لن تستطيع قمع القبائل بسيوف السلطة!
وسيكتشف أن لجنته وهي تمضي في عسفها وجورها في محاربة الفساد بطرق فاسدة وغير عادلة، بلا وعي ورشد ستلحق ضرراً بالغاً بالبلاد.
ستشعل حرائق الولايات وستخنق العاصمة بإغلاق الطرق القومية.
وسيُهرِّب رجال الأعمال أموالهم إلى الخارج وسيمتنع المستثمرون الأجانب من القدوم إلى الخرطوم!
-٥-
لو ظنّ أهل الحكم في الخرطوم أن السُّلطة تسقط فقط من شارع (القيادة العامة) فهم واهمون وغافلون!
سُلطة الإنقاذ سقطت بالجُملة في شارع القيادة، ولكن السُّلطة الانتقالية قد تسقط في الولايات بالتقسيط!
من الذكاء السياسي ألا تدفع بخصمك لخيارات اليأس، والنزول للعمل تحت الأرض بعيداً عن الضوء.. بل الأفضل أن تدعه في دائرة المسؤولية تحت المُتابعة والرصد والمُساءلة على الأفعال.
السودان – لا كمصر – ليست به جهة قادرة على احتكار العُنف وفرض إرادتها بالقوة.
– أخيراً –
السودان لعوامل عديدة وطنٌ هشٌّ، كل شيء فيه قابلٌ للكسر والاشتعال، يكفي فقط عود ثقاب أو كلمة طائشة قد تنجح السُّلطة الانتقالية في إحكام السيطرة على المركز والحد من نشاط الإسلاميين، ولكنها ستفشل – كما فشل أهل الإنقاذ من قبل – في الحد من حرائق الأطراف والولايات!

صحيفة السوداني

Exit mobile version