عبدالرحيم حمد النيل يكتب هل المصالحة السياسية هي الحل؟

(1)

• يطمح فلول النظام البائد في مصالحة سياسية تمكِّنهم من العودة إلى خارطة العمل السياسي بعادية؛ كأن شيئاً ما كان، فقد ظلوا منذ سقوط نظامهم السقيم؛ يقودون الأحداث ويحركونها هنا وهناك، بالدم والانفلات الأمني، الذي لا يعرفون سواه، ليقولوا إن الحكم في هذا البلد لن يحدث بدون حلول سياسية تستصحبهم معها.
• طيِّب؛ ماذا فعلت الحركة الإسلامية منذ انقلابها في ٣٠ يونيو على الديمقراطية؟ زجت بقادة الأحزاب السياسية جميعاً في السجون، وعطلت الأحزاب وصادرت مقارها وألغت كافة المنظمات والجمعيات المدنية؛ وأنشأت عشرات الأجهزة الأمنية التي سخرت لها موارد البلاد لملاحقة أي سياسي أو عمل سياسي يقوم في البلاد؛ وكانت النتيجة تصفية واغتيال المئات من المعارضين السياسيين؛ واعتقال الآلاف؛ هذا غير المجازر والحروب والصراعات العنصرية التي زرعوها وتاجروا بها لقيام دولتهم المتوهمة.
• لماذا يستعجلون الآن في العودة إلى السلطة التي انفردوا بها لثلاثة عقود كاملة؛ وكانت نتيجتها عزلة دولية وخراب شمل كافة المناحي، لماذا لا يجلسون على الرصيف فقط أربع سنوات في انتظار التحول الديمقراطي والانتخابات القادمة، لماذا يعملون على إشعال الفتن في كافة الأقاليم عبر أذرعهم في جهاز الدولة، وعناصرهم الأمنية التي لا تجيد غير صنع الصراعات القبلية والتلاعب بالمكوّنات الاجتماعية لخلق احتقان قد يودي بالسلم الاجتماعي إلى الأبد.

• ظل الإسلاميون يستغلون جهاز الدولة نفسه للثراء عبر الفساد والنهب؛ ويستخدمون ذات جهاز الدولة في حماية أنفسهم ومصالحهم من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبوها ويرتكبونها؛ لكن الآن من يحميهم من طائلة القانون والعدالة بعد أن زالت قبضتهم عن مقاليد الحكم؟ لا أحد بوسعه أن يقف في طريق إنفاذ القانون؛ لذلك يعمل الفلول على الاستفادة من حالة الاحتقان الشعبية بسبب تردي الخدمات وارتفاع الأسعار وندرة بعض السلع الاستراتيجية كالرغيف والوقود، الحالية، للدفع بحالة الغضب الشعبية على السلطة الانتقالية، لإسقاط الحكومة؟ ولإرسال رسائل مفادها أن لا قبل للقوى السياسية على مجابهة أعباء الحكم إلا عبر إجراء مصالحة سياسية شاملة، تضمهم وتعيدهم لدست الحكم مرة أخرى.

• استحالة هذا الأمر تكمن في أن أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة لا زالت دماء أبنائهم الذين اغتالتهم الحركة الإسلامية ومليشياتها رطبة؛ لا زالت دارفور محتقنة ومشتعلة بعد أن نكلت مليشيات الإسلاميين بسكانها ودفعتهم إلى معسكرات النزوح، ولا زالوا ينتتظرون العدالة، لا زال غالبية السودانيين يرون أن الثورة عبر حكومتها قد تهاونت كثيراً مع الكيزان؛ فلا زال الكثير منهم يشغلون مواقع مفصلية في جهاز الدولة، والحال كذلك، يصبح التهديد بالفوضى والصراع والاقتتال لازم فائدة، فلا المصالحة مع الإسلاميين ستؤدي إلى حقن الدماء ولن تعيد الحق المسلوب؛ بل ربما تنسف الخطوات الصغيرة التي مضى فيها قطار العدالة بمساومة سياسية.
* على الإسلاميين أن يفهموا أن مغامرتهم في كوكب السودان قد انتهت؛ ولا حل أمامهم غير انتظار العدالة والديمقراطية، فلا البندقية ستكون حلاً للمأزق الذي أدخلوا فيه البلاد قاطبة، ووضعوا أنفسهم فيه؛ ولا التهديد بالفوضى سيقود إلى طاولة تضم القوى السياسية الوطنية وسدنة النظام البائد؛ وإلا سينقلب الأمر على الجميع؛ بما فيهم “الطوباويين” هنا وهناك.

• لا خيار غير الديمقراطية؛ “أرخوا جسمكم خلوا البنج يمشي”؛ فلا طريق الآن غير المسار الديمقراطي، إنتوا خايفين مالكم؟ انتظروا، كلها أربعة سنين، ولو عندكم عمار بنشوفه في الصناديق؛ الصناديق التي رفضتم الاحتكام إليها أبداً.
(2)
• تعجبني فاعلية عضو مجلس السيادة دكتورة عائشة موسى؛ والتي في اعتقادي أكثر من فهم دوره من أعضاء مجلس السيادة، فقد انخرطت في كثير من الأعمال والمبادرات المجتمعية، التي كانت آخرها زيارة إلى ولاية نهر النيل، قابلت فيها أسر شهداء الثورة وقدمت لهم واجب العزاء ودعماً مالياً؛ لكن كان الدعم المعنوي أكبر بوصولها إليهم.
• هنالك كثير من القضايا التي يفيد فيها وجود من يمثل سلطة الدولة السيادية؛ دون اختطاف السلطة التنفيذية كما يفعل البعض؛ ولعلهم يستفيدون من نشاط وهمة وانخراط دكتورة عائشة موسى؛ متعها الله بالصحة والعافية.

صحيفة السوداني

Exit mobile version