في آخر مؤتمر صحافي له يوم سقوط بغداد عام
2003م، أعلن محمد سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين أن الأميركيين ينتحرون الآن بالآلاف على أسوار بغداد .. لا أدري لماذا تذكرت هذا الحديث وتذكرت الصحاف ومؤتمراته الصحفية الشهيرة وقاموسه الشتائمي الخاص ( العلوج ، المرتزقة ، الأوغاد ) وأنا أستمع لحديث المحامي وجدي صالح في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع مدير عام الشرطة حول اقتحام مقر لجنة التمكين في بورتسودان .
صحيح أن وجه الشبه بين الصحاف ووجدي ليس هو ذلك القاموس الشتائمي فوجدي لم يغرق ظاهرياً في بذل الشتم كما كان يفعل الصحاف وذلك لاختلاف الحالة والواقع السياسي فهو ليس صحاف صدامه الوحيد هنا في السودان .. !!
بل يتحدث فقط بأحد ألسنة القوى الحاكمة في الفترة الانتقالية وليس بلسانها السياسي الوحيد .
لكن طبيعة الفكر الشمولي البعثي بسياساته الشوفينية وممارساته الفاشية تمخمخ في ذهن كل من ينتسب لهذا التنظيم الذي ضرب أسوأ أمثلة الهمجية والفوضى في نموذجه التطبيقي في العراق وسوريا .
احتمى وجدي صالح في خطاب ( الردع والتخويف ) ببندقية الدولة وعصاها العسكرية الغليظة وهو يقول – بعد استبدال نظارته – الاتي نصه ( فور سماعنا لهذا الخبر واطلاعنا على بعض المعلومات دعا السيد الفريق ياسر العطا لاجتماع عاجل بالقصر الجمهوري ضم أعضاء اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع بحضور السيد وزير الدفاع ووزير الداخلية والسيد مدير المخابرات العامة والسيد مدير عام الشرطة والسيد مدير الاستخبارات العسكرية والسيد مدير الأمن العسكري واتخذ العديد من القرارات لتأمين كل دور ومقار لجنة التفكيك في كل الولايات ) الخ ..
ماهو الحدث الذي دعا لهذا الاجتماع الأمني الرفيع الذي حضرته قيادات كل الأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد .. هل هو التحضير والتعبئة لمواجهة حرب أو عدوان عسكري خارجي على الحدود ؟!
الحدث باختصار ان مجموعة من المواطنين دخلت مقر لجنة التمكين في بورسودان وصورت مقطعاً ظهر فيه حديث ضد اللجنة لكن في المقطع نفسه يؤكد هؤلاء أنهم لن يمسوا ورقة واحدة من الأوراق والملفات الموجودة في مكاتب اللجنة .
صحيح أن سلوك الاقتحام مدان وخطأ يستوجب التحقيق والمحاسبة لكنه في نهاية الأمر لم يترك خسارة تساوي واحد على ألف بالمائة من نسبة الترويع وأعمال الخطف والتهديد بالسلاح واقتحام بيوت الناس وحالة الخوف وعدم الإطمئنان التي يشعر بها المواطن السوداني خاصة في العاصمة والكثير من مدن السودان الآن .
لماذا لم يغضب صحاف لجنة التمكين وجدي صالح ولم يخرج في منبر سونا يدعو الأجهزة الأمنية والشرطة للقيام بواجبها في بسط الأمن والطمأنينة للموطنين .
معرفتي قديمة بالأستاذ وجدي صالح عضو لجنة التمكين والتي تشهد بمثابرته السياسية على معارضة النظام السابق منذ سنوات بعيدة وبالأخص في معترك انتخابات نقابة المحامين السودانيين وموسمها الساخن حين يشتد أوار المعركة التي كان أبرز أقطابها الراحل الأستاذ غازي سليمان والراحل الأستاذ فتحي خليل وتشهد معرفتي به بأنه أيضاً رجل جيد على المستوى الشخصي لكن هذه المعرفة أيضاً توثق حالة الهوس السياسي التي تتملك شخصية وجدي صالح العامة والتي تجعل استعداده لمواجهة وتصفية خصمه السياسي وخاصة الإسلاميين ظلت منذ سنوات بعيدة أولى عنده من كل قيمة أو مهمة أخرى يضطلع بها .
لجنة التفكيك ليست منزهة عن الخطأ وليس متفقاً على طريقتها حتى داخل فضاء قوى التغيير لأنه وبالقدر الذي يتفق الجميع فيه على ضرورة تفكيك تمكين النظام السابق ومحاسبة المفسدين يتفق معظم العقلاء ومن يتمتعون بالضمير السياسي النقي والرغبة في تحقيق أهداف الثورة بطريقة مثلى وعادلة وسليمة يتفقون على أن استبدال منصة القضاء والعدالة بلجنة سياسية هي الخصم والحكم هو إمعان في الظلم وممارسة الفساد السياسي وليس تصفية الفساد وتحقيق العدالة .
وليس أدل على هذا الحديث أكثر من القرارات المرتجعة والمشطوبة التي لم يحقق منها منبر وجدي والفكي أكثر من الهدف الإعلامي وانعاش الغل والكراهية في المجتمع ، وليس أدل على هذا أكثر من خلو ميزانية 21 من أي مليم واحد استردته لجنة وجدي صالح وحديث أحدث الخبراء الفنيين في وزارة المالية في لقاء لقمان التلفزيوني مع وزيرة المالية بأن السبب في عدم تضمين الميزانية لأموال التفكيك هو عدم استيفاء الجوانب القانونية .
لماذا تضطر حكومة الثورة لإدخال نفسها في هذا الالتباس وقد كان بمقدروها تصفية الفساد القديم عن طريق القضاء وبصورة نهائية لا قول فيها بعد قول القاضي .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
جمال على حسن – صحيفة اليوم التالي