أحمد يوسف التاي يكتب: لماذا كل هذا التهاون؟!

نبض للوطن … أحمد يوسف التاي
(1)
قد نقبل ونتفهم خروج مجموعة من الثوار لتصحيح مسار الثورة تحقيق أهدافها ومطالب الثوار، وقد نتفهم خروج بعض العامة احتجاجاً على غلاء الأسعار والضائقة المعيشية، هذه كلها أمور طبيعية في ظل ثورة سلمية تنازعتها الأيدي الآثمة لتفريغها من مضامينها وتغبيش وعيها وجرها بعيداً عن أهدافها، كل مايحدث الآن أمور متوقعة تنبأنا بها في أيام الثورة الأولى عندما كان الثوار يعتصمون سلمياً بالقيادة العامة للجيش ، وقلنا أن المتآمرين على ثورة الشعب السوداني لن يدعوها لتصل إلى أهدافها وسيحاربونها بشتى الأسلحة التي مازالت بحوزتهم طالما أنها قطعت الحبل السري الذي كان يغذي غول جشعهم بالسحت والمال الحرام.
(2)
أيّما عاقل اليوم في السودان يقرأ المشهد المتلبس بالغيوم يدرك بوضوح أن هناك فئتين من المحتجين والمتظاهرين، فئةٌ تقاتل وتكافح من أجل تصحيح مسار الثورة وانتزاعها من مخالب الخاطفين وسارقي الثورات من عاطلي المواهب السياسية وضعيفي الثقل الجماهيري وعديمي السند الشعبي والقواعد، وهي أيضاً ذات الفئة التي تنافح وتمارس الضغط على الحكومة لإصلاح معاش الناس وتخفيف الضائقة المعيشية ، وهي الفئة التي مافتئت تحتج بمسؤولية ووعي على غلاء الأسعار وانفلات السوق، وهذا بالطبع حقهم وهو حق كفلته القوانين، وإننا والله مع هؤلاء في خندق واحد، آلامهم هي آلامنا ونبضهم هو نبضنا ومخاوفهم على الثورة وعلى وطنهم السودان هي مخاوفنا وشغفهم لتصحيح مسار الثورة وحمايتها من اللصوص والسارقين والمتآمرين هو شغفنا أيضاً، فهم السواد الأعظم من السودانيين فنحن نبضهم وسلاحهم ومصابيحهم التي يسلطونها على مواطن الفساد والإستهبال وماضع العتمة، وفئةٌ أخرى من المحتجين تناهض في سبيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وكأنهم يراهنون على ضعف ذاكرتنا وسذاجتنا..
(3)
هذه الفئة التي تقاتل وتتحايل وتتخفى تحت شعارات الثورة وأهدافها إنما همها الأول والأخير هو إعادة الكيزان إلى السلطة، وقد كشفت المظاهرات الأخيرة كل الألاعيب التي هي أصلاً مكشوفة ولاتحتاج إلى شطارة، فقد ثبت لكل ذي بصيرة أن هؤلاء ليس هدفهم تصحيح المسار ولا إصلاح الوضع الإقتصادي المتدهور ولا الضائقة المعيشية وقد كانت كل الشواهد والمعطيات تقول بذلك…
مواتر تحمل اللساتك لأجل الحرائق، وهتافات تدعو الجيش للإنقلاب على حكومة الثورة، وعودة الكيزان للسلطة، وبيانات وتسجيلات من قادة المؤتمر الوطني (كرتي) تبشر بالخلاص من الثورة وتبث الأمل في نفوس أنصار النظام المخلوع… أن يخرج حفنة من أنصار النظام المخلوع يقطعون الطرق الإستراتيجية ويدعون الجيش للإنقلاب على سلطة جاءت بأمر الثورة ، ويهتفون بحياة رموز النظام المُباد في دعوة صريحة لعودته، ويحتلون مقار حكومية، ويتحدون القانون ويتظاهرون ضد إجراءاته وأحكامه فهذا مالا يقبله أحد ولايمكن استيعابه إلا في حالة غياب الدولة وضياع هيبتها والدوس على قوانينها، فإن حدث ذلك فهذا يعني أنه لاتوجد دولة ولادستور ولاهيبة للسلطة ولاسيادة لقانون، وهذا ما لا يسمح به القانون إطلاقاً.
(4)
ليست مصادفة أن يخرج مواطنون في مسيرة يطالبون الجيش بالإجهاز على حكومة الثورة ويتزامن ذلك مع خروج مسيرة أخرى تعارض إجراءات قانونية في مواجهة رموز النظام المباد وتهتف ضد الثورة ، مثلما حدث من قبل عندما أراد بعض أنصار النظام المخلوع إطلاق سراح بعض القادة المعتقلين بالقوة شاهرين السلاح في وجه السلطة…
(5)
وليس مصادفة أن يحدث كل ذلك متسقاً مع كتابات تدعو الجيس صباح مساء للإنقلاب على ثورة الشعب السوداني التي قدم فيها دماء وأرواح عزيزة، كل هؤلاء لايعارضون سلطة سياسية وحسب بل يقطعون الطريق أمام التغيير الذي مهره شباب السودان وشاباته بدمائهم الغالية يفعلون ذلك من أجل مصالحهم التي تضررت..وفي رأيي أن مايحدث الآن من استهانة بالقوانين وبهيبة الدولة إنما هو نتاج طبيعي للكتابات التي تتجاوز نقد الأداء التنفيذي إلى الإساءات والتجريح لرموز السلطة والتقليل من شأنهم وتحقيرهم ولعل هذا ماانتزع هيبة الدولة من صدور العامة وسمح بمعارضة القرارات وتحدي الدولة بهذا السفور ، فهناك فرقٌ كبير بين نقد الأداء التنفيذي بالمنطق والأرقام والموضوعية وبين توظيف الشتائم للتحقير والكيد السياسي والإساءة والإغتيال المعنوي لمنسوبي السلطة والتحريض..
(6)
لستُ أشفق على الثورة والدولة إلا من هذا التهاون الحكومي مع الفوضى المدبرة لإطفاء جذوة الثورة، وهذا التهاون والتساهل مع الفوضى والذي يرقى إلى “التواطوء” هو ما يهدد مصير السودان وينبيء بشر مستطير ولعمري لهو أشد خطراً من الأزمة الإقتصادية وصفوف الخبز والوقود والضائقة المعيشية، إذا لم تحسم حكومة حمدوك هذه الفوضى والتفلت الأمني في شوارع الخرطوم سنعتبرها هي الأخرى متواطئة ضد الثورة وحينها فإن إنتزاعها أولى…..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version