الشفيع خضر سعيد يكتب حوار حول اتفاق جوبا لسلام السودان

بقلم : د. الشفيع خضر سعيد
في مدينة بورتسودان، ثغر السودان الباسم، وفي أجواء خريفية ربيعية منعشة، وعلى هامش ورشة «شرق السودان: آفاق جديدة نحو التحول المدني الديمقراطي والتعايش السلمي»، إحدى فعاليات مؤتمر المائدة المستديرة الذي نظمته جامعة البحر الأحمر بالتعاون مع إتحاد خريجي الجامعة، والمجموعة الوطنية لترسيخ الديمقراطية، شاركتُ مع مجموعة من شباب المنطقة، متنوع الخلفيات الفكرية والإثنية، في حوارية ركّزت على مناقشة تداعيات إتفاق جوبا لسلام السودان، وخلصت إلى مجموعة من النقاط الهامة والمثيرة للإنتباه، رأيتُ أن أطرحها باختصار على القارئ، علها تستدعي مزيدا من الحوار والنقاش، وتُثري الحراك نحو السلام المستدام في البلاد.

رغم أي ملاحظات ناقدة لنصوصه الاتفاق، فإن إتفاق جوبا لسلام السودان يُعد نقلة مهمة في المشهد السياسي السوداني، في إتجاه وقف الحرب الأهلية، ومواجهة حلقات الأزمة السودانية المزمنة، والتي إزدادت استفحالا في ظل النظام البائد. وفي هذا السياق، يقع على عاتق فصائل الجبهة الثورية عبء رئيسي، وللحكومة أيضا دور هام، يتعلق بإنتظام حملات سياسية لشرح تفاصيل الاتفاق، من حيث مكاسبه الملموسة وكذلك الصعوبات المتوقعة أمام التنفيذ، وذلك لجماهير الشعب السوداني وخاصة في مناطق الحرب الأهلية، والعمل، بشكل مباشر وملموس وليس بالقول فقط، على إزالة أي مخاوف وشكوك عند الناس من إبتسار إتفاق السلام وإختزاله في مجرد إقتسام كراسي السلطة، الإتحادية والولائية، بعيدا عن حقوق وتطلعات شعبنا في مناطق النزاع والحروب.
عزز الاتفاق من إمكانية نشوء تحالفات سياسية جديدة، بما في ذلك، إعادة ترتيب موازين القوى بين التيارات المكونة لقوى إعلان الحرية والتغيير، وكذلك داخل المجلس السيادي. ويرى البعض أن من تداعيات الاتفاق تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية، والذي سيأتي بمثابة حاضنة سياسية جديدة للسلطة الانتقالية.
من العيوب الرئيسية في منبر جوبا التفاوضي، أن الاتفاق في القضايا القومية والمسارات الجهوية تم بمعزل عن قوى رئيسية وأساسية، أصلا لا يمكن أن يتم إتفاق شامل بدونها. فالاتفاقات الخاصة بدارفور والمنطقتين لم تشمل كل حركات الكفاح المسلحة، وأهمها حركة تحرير السُّودان، جناح عبد الواحد محمد نور، بالنسبة لدارفور، والحركة الشعبية لتحرير السُّودان/شمال، جناح عبد العزيز آدم الحلو، والتي تنفرد بالتواجد في منطقة جنوب كردفان. كما أن القوى التي وقعت على إتفاقات مسار الشرق السودان، لا يمكن إعتبارها المعبر الأوحد أو الرئيسي عن قضايا ولايات الشرق، ولعل ذلك كان من ضمن الأسباب التي أدت لتفاقم النزاع وإشتداد حدة الانقسام السياسي والأهلي في هذه الولايات. وعلى ذات المنوال، فإن القوى التي وقعت على الاتفاق الخاص بمسار الشمال ومسار الوسط، ليس من حقها إدعاء الإنفراد بتمثيل هذين المسارين ولم يفوضها أحد بذلك.
القضايا القومية التي نص عليها الاتفاق، مثل المحددات بشأن نظام الحكم المستقبلي في البلاد، بما في ذلك النص على تبني الفدرالية، والنص على أن تتخذ الحكومة الانتقالية التدابير القانونية اللازمة لاستصدار قرار رسمي بالرجوع إلى نظام الأقاليم خلال مدة لا تتجاوز الستين يوما من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام، والنص على تمديد عمر الفترة الانتقالية….، وغيرها، كلها قضايا لا يستقيم نقاشها في غياب القوى السياسية الرئيسة الأخرى، داخل وخارج تحالف قوى الحرية والتغيير. ثم أن الاتفاق تناول، بقدر كبير من التفاصيل، آلية عمل الفيدرالية في إتفاق مسار المنطقتين وإتفاق مسار دارفور، بينما صمت عن ذلك في إتفاقات المسارات الأخرى، وعن بقية مناطق البلاد. وإذا ربطنا ذلك بما قرره الاتفاق من أن الترتيبات الواردة في إتفاق مساري دارفور والمنطقتين نهائية في جوهرها، وأن الدولة السودانية بأكملها ستطبق نظاما فيدراليا، فلن يتبقى شيء يذكر للتفاوض بشأنه في المؤتمر الدستوري ومفاوضات الدستور الدائم.

رغم أن الاتفاق يستشهد بالوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، إلا أنه قلل من شأنها عندما أعطى نفسه المرجعية على حساب الوثيقة، كالنص على أنه في حال أي تعارض بين نصوص الاتفاق ونصوص الوثيقة الدستورية، تسود أحكام الاتفاق، ويُزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية. وفي هذا السياق، فإن ما نص عليه الاتفاق بتمديد الفترة الانتقالية سيطرح السؤال الهام التالي: هل سيستمر المكون العسكري في رئاسة مجلس السيادة بعد انتهاء فترته الأصلية؟ لأن الوثيقة الدستورية تنص حرفيا، في المادة 11، على أن الرئاسة يجب أن تنتقل إلى عضو مدني في 17 مايو 2021، أم سيتم تعديل الوثيقة؟.

كل الاتفاقات الخاصة بالمسارات، لها آثارها وإنعكاساتها على المستوى القومي ككل، مما يُضفي بعض التعقيد على الاتفاق، ويخلق صعوبات أثناء تنفيذه. فالاتفاق يتضمن قدرا كبيرا من التفاصيل عن السلطات التي ستمارسها أقاليم دارفور والشرق ومنطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، لكنه يلتزم الصمت حيال هيكلية الحكومة الوطنية وصلاحيات بقية المناطق. والاتفاق يعطي منطقتي النيل الأزرق وكردفان حكما ذاتيا واسعا على الفور، بينما يجب أن تنتظر دارفور حتى أبريل 2021 لتصبح إقليما. ومع ذلك، فإن الاتفاق لم يسم أيا من المنطقتين إقليما، على الرغم من أنهما منحتا سلطات أكبر بكثير من إقليم دارفور المتوقع.
الاتفاق ألزم الحكومة الانتقالية بدفعيات مالية ضخمة، في الغالب لن تستطيع الإيفاء بها في ظل أوضاع البلاد الاقتصادية المنهارة، منها: تحويل 750 مليون دولار أمريكي سنويا إلى صندوق دعم السلام والتنمية المستدامة في دارفور طوال السنوات العشر التالية، وتحويل 100 مليون دولار في غضون شهر واحد من توقيع الاتفاق!، وتخصيص 348 مليون دولار أمريكي لصالح صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان.
فجّر الاتفاق الخاص بشرق السودان، إنقساما حادا في الإقليم، إذ يتهمه المعارضون بتجاهل مطالب الشرق في التنمية، وبضعف نسبة تمثيله في السلطة، وبإغفاله جداول التنفيذه، وتحديد مداه الزمني.

صحيفة السوداني

Exit mobile version