أحياناً يكون من الصعب عليّ فهم التمييز بين مفهومي الشرقية والغربية، بل قد يصل الأمر بي إلى حد الشك في وجود الشرق والغرب على أرض الواقع. فمن حيث المفاهيم الجغرافية، ما هو مفهوم كلمة الشرق والغرب التي تتناقلها الألسن وتستخدم كأداة تصنيفية، وعلى ماذا ترتكز محددات هذا التصنيف، هل على أسس مرئية أم معلومة?? ومن أين يبتدئ الشرق وإلى أين ينتهي، وماهو الحد الفاصل بينهما، وهل الأمر في حقيقته من الثوابت أم مجرد فوضى كلامية ؟؟
وإذا تناولنا الأمر من حيث المنحى الجغرافي وفرضية كروية الأرض وخطوط الطول ودوائر العرض نجد أن بلداً مثل النرويج وليبيا متقاربان من حيث الموقع الفلكي بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض، وأن الجزائر وباريس يقعان على خط طول واحد، فلماذا تعتبر النرويج وباريس من بلاد الغرب وليبيا والجزائر من بلاد الشرق? أليس هذا بطلان لمزاعم أن الجغرافيا هي المسؤولة عن هذا التصنيف ويبقى السؤال قائماً ماهي المحددات المسؤولة … هل هي مظاهر الحياة ومورروثها من القيم والعادات والتقاليد أم السلوكيات?? والوقع يقول إن مظاهر الحياة تختلف من بلد لآخر وكذلك الموروثات المجتمعية، وأن الظروف الخاصة بهم هي التي أوجدت هذا التباين ولا يعود الأمر لشرقية أو غربية . إذن الأمر ليس سوى كونه تخطيطاً ممنهجاً لخلق تصنيف يتم من خلاله ممارسات ذات أهداف محددة، وتخدم أغراضاً معينة وأداة للتفريق بين الشعوب ومدعاة للتحيز والتعصب وحجر عثرة في طريق الفكر القومي وهو أمر في موضوعيته يتعارض مع مبدأ التعايش السلمي .
إنَّ مفهوم الشرقية والغربية هو ليس سوى وهم تمت بلورته ليحول دون فكرة استحسان ما لدى الآخرين من قيم وموروث اجتماعي، وذلك عن طريق نشر الإشاعات وزرع الشك والدعوة لمظاهر الدونية المجتمعية التي أسدلت ستاراً من الضباب الكثيف على المفاهيم الفكرية، وحالت دون تحقيق حلم التعايش السلمي من منطلق العقيدة القومية فيما بين الشعوب والمجتمعات.
صحيفة الصيحة