الوضع الذي يعيشه السودان هذه الأيام أصعب من أي فترة تغيير أو انتقال مر بها من قبل بسبب الدمار الذي خلفه النظام المخلوع، ولا أدري هل تشعر الجهات التي تتشاور لتشكيل الحكومة على أقل من مهلها بما يعانيه الشعب أم لا، وطول مدة التشاور هذه وعدم التوافق على تشكيل حكومة بسرعة يؤكد أننا لم نخلص من ورطة النظام المخلوع ( العقلية المنكفئة)، فالتشاور الذي لا يحقق نتيجة سريعة ومريحة يؤكد غياب الحكمة وصدق النوايا والحنكة السياسية بين المتشاورين .
ما يحدث الآن في الساحة السياسية لا يختلف كثيرا عما كان يحدث في عهد النظام المخلوع من حيث المنهج السياسي، وهو أكثر نظام في العالم فتح مجال التفاوض والتشاور ولم ينجح أبدا، أي نعم يصل الى توافق أحيانا ولكنه مبني على المصالح الشخصية التي تغلف بالمحاصصات وسرعان ما تنهار لأنها تاتي بغير المؤهلين عقليا ونفسيا، وتذكرون المشاورات التي تمت في آخر أيام النظام المخلوع. شكل ثلاث حكومات في أقل من عامين وفي آخر تشكيل قال الرئيس المخلوع إن الكيكة صغيرة والأيادي كثيرة، وحقيقة الآن يتكرر نفس المشهد رغم الاختلاف الجوهري بين الحكومتين الذي لم يراعيه متقاسمي كيكة الفترة الانتقالية التي تتزاحم عليها الأيادي بشكل مقرف.
المشهد السياسي الذي يدور أمامنا يثبت أنه ليس هناك كيان سياسي وضع مصلحة المواطن فوق مصلحته ووصل الأمر إلى درجة أنهم يتعاملون مع الأمور بطريقة (يا فيها يا نطفيها) وهذا ما جعل السيد رئيس الوزراء محتاراً ومستاء ويشعر بالخذلان والحرج مع الشعب، وسمعنا أنه يشكو مر الشكوى من تجمع قوى الحرية والتغيير، وحقيقة هذا التجمع أكد أنه يجيد الحشد للتظاهر وناجح جدا في إدارة الحراك الثوري ولكنه فاشل في العمل السياسي، وكذلك الحركات المسلحة تجيد البكاء والعويل وتمثيل دور الضحية فقط .
نقلت الأخبار أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استعجل خلال اجتماع بالتحالف الحاكم وأطراف السلام أمس، تقديم الترشيحات للتشكيل الوزاري، وأبلغها أن وضع البلاد لا يحتمل غياب الجهاز التنفيذي لأكثر من ذلك، وأوضح أن التأخير غير مقبول ومزعج ولا يوجد مبرر له. وكشفت عن الاتفاق على رفع القوائم خلال «3 – 5» أيام.
حقيقة كنا نتمنى أن تتنازل مكونات قوى الحرية والتغيير والحركات عن المناصب وتنشغل بتأهيل نفسها سياسيا للمستقبل وتترك لرئيس الوزراء اختيار كفاءات مستقلة بلا محاصصات، ولكنهم مضوا في نهج النظام المخلوع كل تركيزهم مُنصبّ على كيكة السلطة كل يريد (لقمة) أكبر من الآخر رغم أنها لا تسمن ولا تغني من جوع بل وقد (تقتل) فالحكومة فترتها قصيرة ومشاكلها كثيرة وعصا الشعب ستظل مرفوعة في وجهها والثورة مستمرة ونسبة فشل أي وزير أعلى من نجاحه ولكن هذا لا يخيفهم .
حقيقة النظام المخلوع له الحق إن بقي في السلطة 30 سنة ولولا الشباب لما سقط أبدا بسبب هذه الكيانات السياسية الهرمة والجديدة التي تجد نفسها لأول مرة أمام امتحان سياسي حقيقي وتثبت كل يوم أنها غير قادرة على المرور. نرجو منها أن تصلح حالها وترتقي إلى مستوى المسئولية وأحلام الشعب وتتقي الله فيه فهو لم يعد يتحمل تكلفة التضحية من أجلها وإن لم تفعل بلا شك لن يتركها لتصبح مثل النظام المخلوع كل كم شهر تعد لنفسها كيكة وتتناولها وحين تجوع تصنع أخرى، فهذا السلوك انتهى بأمر الشعب وكفاكم خزلانا وإحباطا لهذا الشعب.
صحيفة السوداني