* لم تخرج المظاهرات أمس احتجاجا على زيادة اسعار الخبز والبنزين والجازولين فقط، ولكن تمردا على الفشل والعجز والجشع والانانية والمماحكات والمحاصصات والالاعيب .. ثم تأتى أخيرا الحياة الصعبة التي يكابدونها!
* صفوف طويلة مؤلمة لا تنتهى، اسعار ترتفع كالصاروخ كل يوم بل كل لحظة بدون حسيب أو رقيب، فوضى عارمة، انعدام الأمن، تفشى الجريمة، انتشار العصابات المسلحة وشرطة تتفرج .. موت في المستشفيات، صيدليات خالية إلا من البارفانات وكريمات التفتيح!
* حكومة غائبة، أو بالأحرى ميتة، أحزاب سياسية فاشلة عاجزة عن فعل شيء حتى عن اختيار بضعة وزراء لتشكيل حكومة جديدة، ليس لها قيمة او نفع سوى تحقيق المصلحة الشخصية واكمال النقص بالمناصب والوجاهات إرضاءً للذات ..مكون عسكري ليس له عمل سوى تقوية النفوذ وبسط السيطرة وجمع المال !
* وطن جريح في كل جزء فيه، إن لم يمت فيه الناس بالكورونا والملاريا والغبن، ماتوا بالغدر والتعذيب والرصاص في المعتقلات ومعسكرات النزوح !
* لا حكماء يثق بهم الناس، يطمئنون إليهم، يصغون لهم .. يوقدون في نفوسهم شعلة الأمل كلما ضاقت بهم الحياة، ويقودونهم الى طريق النجاة !
* مستقبل عدمي قاتم .. فلماذا لا يخرج الناس غاضبين متمردين على الحياة التي يعيشونها، بل على أنفسهم وعلى اليوم الذى ولدوا فيه .. وعلى الوطن الذى يجرى في دمائهم، وكانوا يحلمون بعد القضاء على سرطان الكيزان أن يتذوقوا فيه طعم الحرية والسلام والعدالة، فإذا بالحلم ينتهى بكابوس .. عنوانه الفشل والعجز والجشع والانانية وغياب الحكمة والمنهج والبرنامج والادارة السليمة وسيطرة الفاشلين المتقاعسين على مقاليد الامور !
* بالله عليكم توقفوا لحظة وانظروا كيف بدأ الرئيس الأمريكي (جو بايدن) حقبة حكمه، رغم الشهور والاسابيع الطويلة المرهقة التي قضاها في انتخابات شرسة مع خصم عنيد له ملايين المناصرين، وتحضيرات دقيقة لمخاطبات ومناظرات وحملات وبرامج انتخابية وخطط محسوبة وموزونة بدقة كبيرة، اعدها ووضعها الاف الخبراء والمختصين عن كل شيء في امريكا وخارج امريكا، في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والبيئة والامن والشرطة والاستخبارات والقضايا الانسانية وكل شيء!
* قرأ (بايدن) ملايين الصفحات وحفظ ملايين الارقام وجلس ملايين الساعات يستمع وينصت، يسأل ويستفسر ويفهم، حفظ آلاف الخطب والكلمات، سافر ملايين الكيلومترات والتقى ملايين الناخبين، وعندما فاز وادى اليمين رئيسا للولايات المتحدة لم يذهب الى بيته لينام، بل ذهب الى مكتبه ليعمل ويشتغل منذ اللحظة الأولى!
* أشفقتُ على الرجل الذى يبلغ الثمانية وسبعين عاما، كيف يحتمل كل هذا الارهاق .. إذا كنتُ أنا الذى أجلس في بيتي متفرجا على مراسيم الاحتفال والتنصيب المنقولة على القنوات الفضائية أصابني الإرهاق والتعب .. فكيف لرجل شارف على الثمانين من العمر وقضى أكثر من عام كامل في منافسة انتخابية شرسة، ويوما كاملا في مراسيم التنصيب وما تلاه من زيارات وترتيبات رسمية، أن يذهب الى مكتبه ليعمل بدلا عن الذهاب الى غرفته المريحة لينام !
* ذهب أكبر واقوى رئيس دولة في يوم تنصيبه وعيده الى مكتبه ليلا ليعمل ويوقع على سبعة عشر أمرا تنفيذيا معدة سلفا، كل أمر في دفتر ضخم يحتوى على أدق التفاصيل والحيثيات، لا شك أنه قرأهم بدقة قبل أن يضع عليهم توقيعه الذى تراقبه وتسأله وتحاسبه عليه الأجهزة الرقابية والرأي العام والتاريخ والناخب الأمريكي .. ثم خاطب موظفي البيت الأبيض الذين يبلغ عددهم أربعة آلاف عبر دائرة تلفزيونية مغلقة وهم في مكاتبهم، لينقل إليهم توجيهاته ويحذرهم من الاهمال والتقاعس وسوء المعاملة، وهدد بأنه لن يتردد في فصل أي شخص مهما كان موقعه إذا أساء معاملة أحد زملائه أو أي شخص آخر .. ثم قضى أكثر من ثلاث ساعات بعد ذلك مشاركا ــ وليس متفرجا ــ عبر دائرة تلفزيونية في حفل اقيم بمناسبة تنصيبه قبل ان يذهب الى غرفة نومه وينال بعض الراحة استعدادا ليوم ثان من العمل طويل وشاق .. هكذا صارت الولايات المتحدة أقوى واعظم دولة في العالم .. وهكذا تُبنى الدول!
* الى متى يظل الشعب يثور من اجل الآمال العظيمة، فيسرق ثورته العاجزون الفاشلون والنصابون المحتالون، وتتقلص آماله الى جالون بنزين واسطوانة غاز وقطعة خبز يقتات بها من الجوع ؟!
***********
زهير السراج – صحيفة الجريدة