تحاشيت التعليق على كتاب التاريخ المقرر على الصف السادس خـلال الزوبعة المثارة حـــولـــه مـــن الــثــورة الــمــضــادة.
لــم أعطل التعليق عليه شفقة به بل لأن التشغيب المضاد اقـتـصـر عـلـى الكتاب وحده دون بقية المقرر. وهـــــذا لــــؤم مــحــض.
فالكتاب عندي معيب ولكن الفي فئة المتعلمين الرثة اتعرفت. فماعونها ضيق الله ينعل الماعون الضيق. فتهجم على المسألة بغير عدة شغل مهني.
تقرأ النصوص كأنها تقرأ الكف والجواب من عنوانه. وتزبد عند الفم عند فصوله ومأربها غير مأرب التربية بل فش غبينة على ثورة أحالتهم إلى الاستيداع ولا
نجاة لهم إلا بالنزول عند حقيقة إن الثورة التي عصفت بهم لن تخمد نارها.
جاء الكتاب بما لا يصح في تربية النشء وهو تجريعهم وجهة نظر لا علماً محققاً من جماع وجهات نظر.
وغلبت فيه روايــة دعاة الهوية الأفريقية للسودانيين التي صدعوا بها لعقود بصورة طغى فيها التسيس والحشد لا طلب الحقيقة. ومع جنوح الكتاب لرواية
الأفرقة للسودانيين إلا إنه يضطرب في تعيينها اضطراباً كنت سميته «الهرج بالهوية» عندما تهارشت المنابر لعقود حول المسألة بغير كتاب منير.
فجاء الكتاب عن الشخصية الـسـودانـيـة بعقيدة الأفرقة «بصمته» ثم «جـاط».
فقال إن الشخصية السودانية أفريقية من حيث العرق والموطن الجغرافي وعربية إسلامية من حيث اللغة والاعتقاد.
وما يفهم من هذا أن ليس بالسودان عرق عربي. ولم يطق الكتاب مع ذلك صبراً على هذا التقرير فسرعان ما قـال، بعد تعيين الطرق التي
دخـل بها العرب الـسـودان، إنه «عبر هذه الطرق انتشر العرب في كل انحاء السودان».
ووصف العرب في موضع آخـر كعنصر جديد دخل البلاد. وقال في موضع ثالث إنـه توجد بالشمال قبائل عربية كثيرة. وذكر في موضع
رابع «كما هناك العديد من القبائل العربية في السودان». وهذا من هلهل القول. فكيف بربك تقصر السودانيين على العرق الأفريقي ثم لا تكف بعدها عن إثبات وجود
العرق العربي؟ لا مرة. لا اثنين. لا ثلاثة. وتجد التخليط نفسه في تناول الكتاب لكيفية دخــول الإســلام.
السودان: أبالسيف أم بالحسنة؟ فجاء الكتاب على ذكر عبد الله بن أبى السرح غازياً للسودان وهزمه النوبة الشجعان رمــاة الحدق.
وسنتجاوز ما أخذه آخرون قبلي عن تاريخ تلك غزوة (بل وحقيقة حدوثها) ومن أمر بها وفي عهد أي خليفة لنرى كيف انتهى الكتاب
إلى نقض غزله في دخول الإسلام بالسيف كما توحي عبارته التي سلفت. فنفى لاحقاً إتيان الإسلام بالغزو. فقال إن السودان لم يفتح بواسطة جيوش إسلامية. وزاد
بقوله إن الإسلام لم يدخل السودان عن طريق الحرب أو الغزو. وقال في موضع آخر إنه دخل بواسطة التجار والصوفية.
وما جاء ذكر الفونج حتى وجدنا المسلمين يسلون سيف الغزو والنصر. فقال إنه مع تأثر الفونج بالتصوف إلا أنها في بدايتها قادت الحروب، وحطمت الممالك المسيحية،
وأعطت وزناً وقوة للثقافة العربية الإسلامية.
وجاء برسم مصاب بفقر دم الفن لخراب سوبا على يد الفونج تـرامـت فيها جثث ضحايا مسيحي سوبا، واحتل بعض مقدمة الـصـورة سوباوي متمحن في فعائل الفونج.
ولا أعـرف من أين للكتاب أن يجزم بسلمية الممالك المسيحية في السودان كما فعل.
فقال إنها استمرت لأكثر من سبعة قرون لم يسجل لها لتاريخ حروباً مع سكان البلاد الوثنيين.
دليلك!
لا غـلاط أن تاريخ الإســلام في الكتاب مسطر ب»عين السخط» على الإنقاذ المحمولة على نهج إســلام علماء الفقه والسلطانُ المتشدد. فتجد الكتاب يعلى من
قدر الصوفية وينسب لها تحول الأفريقيين السلس للإسلام.
ويكثر من إيراد هذا النسب كلما ذكر تاريخ مملكة إسلامية. ففي ملكة تقلى الإسـلامـيـة فـي جبال النوبة قام حكمهم على التصوف.
ولا غـلاط أن الكتاب أراد الطعن للإنقاذ وعدوانيتها الجهادية بقوله إن الصوفية لا يهاجمون الأهالي، ولا يسيئون إليهم. فدعوتهم بحسن المعاملة وإسلامهم متسامح في
تربية وترقية سلوك الناس أكثر من الخطب والحماس والتسلط الحاكم.
ولا أدرى ما نفع الطالب من مثل هذا التشقيق للإسلام إلى صوفية وعلماء، ومن سوقه للاعتقاد في صـلاح الأوائــل وفساد الأخيرين.
أما قول الكتاب إن أفريقيا تحولت للإسلام تحت تأثير الصوفية وحدها فغير دقائق. فالثابت أن الملوك والتجار ودلالاء القوافل من تبعهم وجدوا في فقه الإسلام ما أغراهم
للتحول إليه. فقد أعانهم بفقه العقود والبيوع والموازين وخلقية التجارة بعامة لتجويد نظم ممالكهم السياسيةوالتجارية
ونواصل.
صحيفة السوداني