الشهادة السودانية : حين يكون للكارثة رقم جلوس!
*قراءة في دلالة الإحصائيات والمواقف*
د. إبراهيم الصديق على
(1)
يمكن تدوين الملاحظات الاولية التالية على نتيجة الشهادة السودانية :
اولا: هذه حالة نادرة لعام دراسي يستمر ثلاثة أعوام ، فقد بدأ العام الدراسي في ٢٠١٩م والإمتحانات عام ٢٠٢٠م وإعلان النتيجة ١٨ يناير ٢٠٢١م، وقد كانت كورونا سببا في تأخير العام الدراسي وظروف السيول والفيضانات وراء تأجيل الإمتحانات وضعف القائمين على أمر التعليم هذه الأيام وراء تأخير إعلان النتيجة.
وثانيا: نسبة الرسوب العالية (٤٢.٨٪)، وهذا مؤشر خطير، مع مستويات متدنية لمواد محددة (العلوم الأسرية،و العلوم العسكرية، والعلوم الهندسية واللغة العربية والدراسات الإسلامية)، مع إحتفاظ بقية المواد بدرجات متقاربة (فوق ٧٠٪).
وثالثا: كشفت النتيجة زيف تصريحات ومواقف وزير التربية والتعليم بروفيسور محمد الأمين الذي قال في نوفمبر ٢٠١٩م (إن الشهادة السودانية تطبخ بليل، وإستحالة ان يحصل على تلميذ على أكثر من ٩٥٪) وقد حصلت أولى الشهادة السودانية على ٩٨.٣٪، وةوما يتوفر من معلومات فإن ترتيب ١٦ نسبته ٩٧.٣٪. وهذا إنتصار للشهادة السودانية، وللأستاذة الذين سهروا أيام التصحيح وفي الكنترول، وذهبت التصريحات الكيدية الرعناء مع الريح.. كما تؤكد لإفتقار شخص في قامة وزير التعليم للحس السياسي وهو ينتقص من شهادة ذات رمزية وقيمة ومكان داخليا وخارجيا.
ورابعا: غياب المعلومات والإحصاءات عن مظانها والتأخير في تحميلها في المنصات المختلفة، لقد أعتذر المركز القومي للمعلومات عن عرض النتائج لإن الوزارة لم توفرها له، ولم تعرض وكالة السودان للأنباء أي إحصائيات.. وهذا أمر غير مبرر سوي الفشل وضعف الخيال والإرادة.
وخامسا: ضعف الإهتمام الرسمي، مع نتيجة تهم كل بيت سوداني، فقد غاب الوزير الغاضب على تجميد المنهج الدراسي الجديد، وأختار الإنحياز لموقفه السياسي.
وسادسا: اثبتت التجربة نجاعة المدارس النموذجية والتعليم الخاص والمدارس القرآنية، فقد سيطرت على قائمة الأوائل دون منافس، والفرص الوحيدة للولايات للمنافسة مع الخرطوم كانت عن طريق المدارس الخاصة، لقد تعرضت هذه المدارس للتضييق والتشهير والمصادرة، فمن بين الأوائل مدارس المجلس الأفريقي للتعليم الخاص ومدارس مصطفى الشيخ الأمين، ومدارس أخرى تم تغيير كامل طاقم المعلمين والمعلمات بها.. لقد اثبت النجاح انه يتجاوز كل الرهانات والتحديات..
(2)
وللإحصاء إشارات أخرى،
فقد بلغ عدد الطلاب الممتحنين ٤٨٤٬٠٢١، نجح منهم ٢٧٠٩٠٥، و رسوب ٢٠٧٬٥٤١ وغياب ٥٩ الف طالب.
وبلغت نسبة النجاح ٥٥.٨٪ للمساق الأكاديمي، و ٥٨.٩٪ للمدارس الحكومية و ٥٩.٣٪ للمدارس الخاصة ٤٧٪ لمدارس إتحاد المعلمين و ٥٥.٩٪ للمدارس الخارجية.
وهذه النسبة من الرسوب (٤٢.٨٪) تعتبر كبيرة بكل المقاييس وتتطلب وقفة مراجعة وتقييم، كما أن غياب ٥٩ الف طالب يكشف عن تأثير تأخير فتح المدارس وإجراء الإمتحانات في وقت غير مناسب ودون مراعاة لظروف السيول والفيضانات، ولو توفرت جداول يمكن بسهولة تبيان مواطن الخلل والأخطاء الكارثية في المسار التعليمي خلال العامين الماضيين.
ليس شرطا أن يكون للكارثة رقم جلوس ويكفي وجود أي طالب أو طالبة خارج التعليم، وهذه جريمة في حقه وحق الوطن، كما يشير لإحتمال عمالة الأطفال أو زواج القصر أو تأثير عوامل إجتماعية من الفقر أو العزوف عن التعليم أو قصور المؤسسات التعليمية والبيئة المدرسية أو الإعاقة وإنعدام مؤسسات متخصصة، وحتى للمتميزين بعيدا عن المدن الكبير، فإن عزوفهم عن المدارس وارد وراجح..
إن احد أهداف إعلان نتيجة الشهادة السودانية إجراء الدراسات والبحوث وتطوير نظم التعليم والتحليل والتقييم، وعلى الخبراء إيلاء هذا الأمر أهمية ودق ناقوس الخطر، فهذه النتيجة تمثل حالة شاخصة لخطورة الوضع، ونسبة نجاح ٥٥٪ هذه إشارة حمراء..
(3)
ومن العجائب هذا الإنكار لبؤس الحال، فقد ظلت ما يسمي لجنة المعلمين تتمسك بالوزير بروفيسور محمد الأمين وزيرا للتربية والتعليم، وما زالت إدارات التعليم في الولايات تمارس الحرب ضد المدارس المتميزة والنموذجية وضد الأساتذة، ولقد ركز اليسار على وزارات التوجيه والتعليم، وعلى المؤسسات القانونية والعدلية، وجاءت نتاج أفعالهم وخيمة على الوطن والمواطن، وهذه النتيجة كانت شاهدا على فشل وزيرهم الذي لم يفلح في إضافة (جدران فصل دراسي واحد من أربعة جدران)، وذهبت إدعاءات موازنة التعليم مع الأكاذيب الخطيرة، فقد جرفت الحقيقة كثيرا من الوعود الكذوب..
التهنئة للناجحين وللأمهات وللآباء، وللأساتذة وهم يكابدون رهق هذه الأيام ويكدحون من لجنة توفير مقومات الحياة.. وستظل مسيرة التعليم في السودان متميزة وستشمخ فوق العثرات والعابثين..
د. ابراهيم الصديق