* حذرتُ كثيراً من الإصرار غير المبرر لـ (حكومة السودان) أو بالتحديد لـ(المكون العسكري)، لإنهاء تفويض البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) التي ظلت تتولى منذ عام 2007 عملية حفظ السلام والامن في دارفور تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يتيح لها استخدام القوة العسكرية لتنفيذ مهمتها حسب قرار مجلس الامن رقم 1769 الصادر في 31 يوليو 2007، خشيةً من تجدد الاقتتال واعمال العنف في الاقليم المضطرب، وعدم استعداد السلطات للتعامل معه من حيث تكوين وتدريب القوات السودانية المشتركة التي ستحل محل قوات اليوناميد ، ولقد حدث ما خشينا منه حيث غرق الإقليم في الاقتتال والدماء بعد أقل من اسبوعين من انتهاء مهمة بعثة اليوناميد نهاية الشهر الماضي، وبلغ عدد الضحايا في النزاع القبلي الذي يدور في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، حتى صبيحة الامس 83 قتيلاً و160 جريحاً، فضلاً عن تدهور الأمن في كل انحاء الإقليم ! * تخيلوا العدد الكبير من القتلى والجرحى الذي نتج عن نزاع شخصي ثم تطور نزاع قبلي وصل فيه عدد الضحايا في يومين فقط 243 بما في ذلك جرحى القوات المسلحة، الأمر الذي يكشف العجز الكامل للسلطات في التعامل مع الأحداث وإيقاف نزيف، وهو ما حذرنا منه بدون أن يستمع إلينا أحد، أو يعير كلامنا أي أهمية، وكأننا أعداء أو عملاء كما يصفنا البعض، لا يجب أن يعطى ما نقوله أي اهتمام، وربما اعتبره (فخا) منصوباً له للوقوع في مصيدة الفشل، فيتعامل معه باستهزاء الى ان يأتي اليوم الذي تتكشف له الحقيقة، ويتبين صدق ما نقول .. ولكن بثمن باهظ للأسف الشديد، وهو دماء ومعاناة الابرياء، كما يحدث الآن في ولاية غرب دارفور ! * كل الدلائل كانت تشير الى عودة الاقتتال في دارفور مرة أخرى أو حدوث فوضى في دارفور، خاصة مع رفض كل المقيمين في معسكرات النزوح، وهم غالبية أهل دارفور، لخروج قوات اليوناميد واتفاقية جوبا الهزلية التي أشاعت الحكومة والحركات المسلحة الموقعة عليها والانتهازيون الذين أُقحموا فيها باسم مسارات الوسط والشمال والشرق، أنها ستحقق السلام في البلاد، بينما كانوا يعلمون سلفا ــ ويعلم الجميع ــ أنها مجرد تمثيلية سخيفة لتكبير كوم العسكر في السلطة بمشاركة حركات مسلحة لا قيمة لها ولا وزن في المناطق التي تدَّعى تمثيلها كدارفور وغيرها، وها هي الحركات المسلحة التي ادعت تمثيل دارفور في مفاوضات جوبا، لا تستطيع حتى زيارتها دعك من بذل أي جهد لإيقاف نزيف الدم وعقد صلح بين الاطراف المتحاربة! * هل يمكن ان يكون لهؤلاء، مع الرفض المطلق لهم من غالبية اهل دارفور، أي دور في تحقيق السلام والأمن في الاقليم بأي شكل من الاشكال، سواء بمشاركتهم في مؤسسات الحكم المركزية او الولائية، أو في القوات المشتركة التي ستحل محل قوات اليوناميد، والتي ستتكون من القوات المسلحة والشرطة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، حسب اتفاق جوبا المرفوض من أهل دارفور؟! * تشهد معظم ولايات دارفور تدهورا أمنيا مريعا منذ انتهاء فترة اليوناميد قبل اسبوعين، وليس فقط ولاية غرب دارفور التي يدور فيها النزاع بين قبيلتي المساليت والرزيقات، وذلك بشهادة والى ولاية شمال دارفور (محمد حسن عربى)، الذي كتب على صفحته بالفيس بوك “إن الوضع الأمني في إقليم دارفور تدهور بصورة مريعة، عقب إنهاء تفويض بعثة حفظ السالم المختلطة ـ يوناميد”! * كما انه لا يمر يوم أو يومان إلا وتكتظ الصحف والمواقع الإلكترونية بالجرائم والحوادث والنزاعات القبلية المسلحة التي تقع في إقليم دارفور .. والسؤال الذي يجب أن يطرح .. لماذا اصر المكون العسكري على إنهاء تفويض بعثة اليوناميد، إذا لم يكن قادرا على حفظ الأمن والسلام في دارفور؟! * بل .. لماذا لا يستطيع حفظ الامن وحماية العاصمة نفسها التي استباحتها العصابات المسلحة بدون أن يتصدى لها احد، ولم يعد المواطن يشعر فيها بالأمان حتى وهو داخل منزله، ولا يعلم أحد .. هل هو عجز من السلطات، أم تراخِ متعمد أم ماذا؟!
***********
زهير السراج – صحيفة الجريدة