خطبة الترابي.. أما بعد

[JUSTIFY]
خطبة الترابي.. أما بعد

ونذكر من قساوسة مكة في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، القسيسان ورقة بن نوفل، وساعدة بن الأيادي، وكانا من طائفة الأبيونيين، وكانت لديهما أقدار عظيمة لدى النبي صلى الله عليه وسلم، فالأول كان قس مكة ويلتقي مع النبي في جده الرابع (قصي بن كلاب)، وكان أول المتعبدين في غار حراء وهو ابن عم السيدة خديحة، وهو من زَوّجَها بالنبي (ص)، وكانت له خطبة مشهورة في ذلك (الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت، وفضّلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله، لا ينكر العرب فضلكم، فأشهدوا عليّ يا معشر قريش إني قد زوّجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله) .
أما الثاني فهو القس ساعدة بن الأيادي الشهير بقُسُّ بن ساعدة الذي قال عنه النبي (رحم الله قساً، إنه كان على دين إبراهيم)، وروى كل من من الطبري المسعودي أن النبي سأل عنه وفد إياد يوم فتح مكة فأخبروه أنه مات، فروى لهم كيف رآه في عكاظ قبل البعثة ثم سرد لهم خطبته يومذاك، وترحّم عليه بقوله (يُبعثُ يوم القيامة أمةً وَحَده).
تُنسب إلى هذا (القسيس) أفعال أقوال كثيرة فهو أوّل من خطب متئكا على عصا، وأول من كَتَب اجترح مثل (من فلان إلى فلان، أما بعد، والبينة على مَنْ ادَّعَى واليمينُ عَلَى من أنكر).
وحين كنا نريد تخصيص زاوية الجمعة نستعيد العلاقة الرائعة بين الأديان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، نقرأ للترابي خبراً عن خطبة نثرها أمام تجمع لطلاب حزبه قال فيها كلاماً كثيراً مبهماً وغامضاً لا يحوي برنامجاً واضحاً للمرحلة القادمة، خطبة لم ترتق إلى حمأ الوقائع اليومية وسخونتها، خالية من التحليل السياسي الواقعي، مُنتحية ناصية (أما بعد)، فكأني به كان يريد الاتكاء على عصا (القسيس) ابن ساعدة، لكنه لم يحسن الأمر فسقط مغشياً عليهن حين قال: إن البعض ينادي بدولة مدنية كنوعٍ من الاحتيال بسبب خجلهم من الدعوة إلى دولة لا دينية.
الغريب أن الترابي نفسه قال في غير مناسبة إن الدولة التي أسسها الرسول في (يثرب) كانت أول دولة مدنية في تاريخ البشرية، لذا سميت يثرب بالمدينة، وله في ذلك حجج وتفسيرات و(شطحات) أحياناً، فما الذي رماه بداهية يا ترى حتى يأتي ليقول إن الدعوة إلى الدولة المدنية، إنما هي في حقيقة الأمر دعوة إلى دولة لا دينية لعن الله الدعاية الانتخابية – التي لا تقوم على برنامج سياسي.
أما بعد: فإن الفوز بالانتخابات عبر استثارة المشاعر الدينية في وجود المؤتمر الوطني والسلفيين يصبح أمراً عصياً إلاّ بتأكيده على مدنية الدولة.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version