مؤسف جدا ما تقوم به وزارة الداخلية من تضييق في حصول الطلاب الأفارقة على تأشيرات الدخول إلى السودان . طلاب يدرسون في الجامعات الخاصة السودانية تواجههم صعوبات الحصول على تأشيرات الدخول إلى السودان ، بسبب إيقاف سفارات السودان في تلك الدول عن منح التأشيرات لمواطنيها ، و يختصر الحصول عليها عبر ( الكاونتر فيزا ) في مطار الخرطوم بعد إجراءات عقيمة و فساد مالي كبير .
الجامعات الخاصة السودانية تعتمد في إيراداتها على الطلاب النيجيرين و طلاب بعض البلدان ، لأنهم يدفعون رسومهم الدراسية بالدولار تصل في بعض الكليات إلى عشرة الف دولار للطالب ، بينما رسوم بعض الطلاب السودانيين في نفس المستوى لا تتجاوز الخمسمائة دولار يدفعها بالجنيه السوداني . هؤلاء الطلاب سبب أساسي في استمرار و ازدياد عدد الجامعات السودانية الخاصة ، وكذلك يساهمون في استمرار الجامعات الحكومية و استقرارها . لأن معظم أساتذة الجامعات الحكومية يعملون في عدد من الجامعات الخاصة ، حتى يستطيعوا زيادة دخلهم المادي، مما يساعدهم في الصبر على رمضاء الأسواق و ارتفاع الأسعار .
فلولا الجامعات الخاصة لهاجر من تبقى من أساتذة الجامعات إلى البلدان التي تحترم علمهم و كسبهم . و لهجر من تبقى منهم المهنة إلى أي مهن أخرى يستطيع أن يعيل بها أسرته بدلا عن عمله براتب لا يكفي مواصلاته و وجبة إفطاره ..
حتما هناك بعض المسؤلين المستفيدين من التضييق على هؤلاء الطلاب للحصول على تأشيرات الدخول ، فالطلاب يدفعون اليوم أكثر من 60 الف جنيه فقط للحصول على التأشيرة ، و معظم هذه الأموال تذهب إلى شركة خاصة مشكوك في ملكيتها لمسئولين كبار في الشرطة و الدولة ، حتى أن لم يكونوا شركاء فيها بصورة مباشرة إلا أنهم يتقاسمون ما تجنيه من أرباح على حساب هؤلاء الطلاب . وإلا لماذا تتم إجراءات تأشيرات الأجانب عبر هذه الشركة بعد دفع مبلغ يصل إلى 35 الف جنيه سوداني ، هذا غير رسوم الفيزا الرسمية و التي تصل إلى مائة دولار !! .
انتبهت سفارة مصر في نيجيريا إلى أزمة هؤلاء الطلاب و أعلنت عن منح الطلاب النيجيرين تأشيرات دخول مجانية إلى القاهرة ، فبعد أن حصل البعض على القبول في الجامعات الخاصة السودانية ، إلا أنهم أعادوا التقديم إلى الجامعات المصرية ، بسبب سهولة إجراءات الدخول التي اتخذتها السلطات المصرية . و عدد كبير من الطلاب النيجيرين اتجهوا فعلا إلى مصر للدراسة بدلا عن السودان .
ما يحدث يشبه تماما ما حدث للاخوة الجنوبين عندما اتجهوا إلى يوغندا للحصول على السلع الضرورية بعد أن أغلق السودان حدوده معهم بعد ضربة هجليج . و لم يعودوا حتى اليوم ، مما كبد الكثير من المصانع الصغيرة والمؤسسات إلى خسائر فادحة وقتها ، و بدأ سعر الدولار في الارتفاع لأن التجار تحولوا بدولاراتهم إلى كمبالا بدلا عن الخرطوم . و الآن ترتكب السلطات خطأ مشابه بأسباب واهية .
للأسف بعض الطلاب الذين انتهت صلاحيات اقاماتهم السنوية و عليهم الدخول بتاشيرات دخول جديدة يواجهون صعوبات في الحصول على التأشيرات و اللحاق بالدراسة في جامعاتهم التي فتحت أبوابها و بدأت الدراسة فعلا ..
أما الطلاب الذين أكملوا المرحلة الثانوية منذ سبتمبر من العام الماضي و ينوون الدراسة في السودان ، فقد اتجه معظمهم إلى دول أخرى في أوروبا و أمريكا و شرق آسيا ، بدلا عن تضييع الوقت و الذلة في الحصول على تأشيرات الدخول في السودان ، فمن يملك المال يستطيع الحصول على التعليم الذي يريده في أي بلد .
انحسار عدد الطلاب الأجانب لا يهدد الجامعات الخاصة فقط ، إنما حتى الجامعات الحكومية التي تستفيد من وجودهم ، و كذلك أصحاب الداخليات و العقارات الذين يؤجرون السرير للطالب بمبلغ مائة دولار و كذلك العديد من القطاعات المرتبطة بإقامة هؤلاء الطلاب و معيشتهم و تحركهم من و إلى الجامعات ..
إن لم تنتبه السلطات لهذا الأمر فالعواقب ستكون وخيمة على التعليم الأهلي و التعليم العالي عموما ، لما له تأثير سالب على استمرارية الجامعات ، مما يؤدي إلى إغلاقها و تسريح موظفيها و عمالها …
الأسباب التي ترشح من بعض الجهات بأن هذا التضييق مقصود به الجامعات الأهلية بحجة أنها تتبع للكيزان و يجب تدميرها ، و ما درى هؤلاء الفاشلين أن التدمير سيلحق بقطاعات كبيرة في المجتمع ، و أهمها الجامعات الحكومية التي لا تزيد ميزانيتها عن ميزانية مكتب وزير في القصر الجمهوري . سيشمل الانهيار كل الاستثمارات المرتبطة بهؤلاء الطلاب …
زيارة أي صحفي لمقر شئون الأجانب يستطيع أن ينقل للرأي العام ما يحدث من ممارسات تشيب لها الرؤس في معاناة الأجانب وسكان بعض الدول للوصول إلى السودان أو الإقامة فيه …!!
وقبل عام نقلت في هذه الصفحة معاناة أحد رجال الأعمال من غينيا يريد الاستثمار في السودان ، لكنه غير رأيه بسبب صعوبة الحصول على التأشيرة ، وذهب إلى مصر التي منحته تأشيرة مجانية و الآن أقام مصنعا للأدوات الكهربائية هناك .
على وزارة الداخلية و وزارة التعليم العالي و وزارة الخارجية التحرك فورا لعلاج أزمة هؤلاء الطلاب، و إعادة الحصول على التأشيرات إلى سفارات السودان في تلك الدول ، بدلا عن الفوضى و الرشاوى و الفساد الذي يتم في مكاتب الهجرة و الاجانب في وزارة الداخلية …
هل قدرنا أن نستبدل دوما فسادا بفساد أسوأ من سابقه !!
سالم الأمين بشير