-١-
قبل سنوات، طلبت مني إدارة قناة الشروق إجراءَ حواراتٍ تلفزيونية مع عدد من الرموز الوطنية. كان ذلك ضمن البرمجة الخاصة بعيد الأضحى المبارك في ذلك العام، واُختير للبرنامج اسم (فوق العادة).
بفضل الله ثم تعاون إدارة القناة ومتابعة وملاحظة المشاهدين وشهادة المراقبين، حققت الحلقاتُ نجاحاً مقدراً.
فكان قرارُ إدارة البرامج بالقناة استمرارَ الحوارات ضمن الخارطة البرامجية السنوية بذات الاسم (فوق العادة).
-٢-
لما يقارب الثلاث سنوات، أُتيح لنا محاورةُ عدد كبير من الشخصيات من مختلف الطيف السياسي والاجتماعي، دون إقصاءٍ أو تلميع.
ومع التعديلات التي طرأت على إدارة القناة ضاقت مساحةُ الحرية، واتسعَ هامش التدخلات. ولم يعد البرنامجُ قادراً على التنفس بصورة طبيعية، لنقص أوكسجين الحرية!
وحينما تم حذفُ أجزاء من إحدى الحلقات بصورةٍ تعسفية أدت لتشويه المقابلة، قدمتُ استقالتي عبر رسالة موبايل!
-٣-
مع كلِّ بداية عامٍ في شهر يناير، تتداول وسائلُ التواصل الاجتماعي بكثافة، مقطعاً ترويجياً قديماً لحوار أجريتُه مع الأستاذة أسماء محمود محمد طه.
درجنا في البرنامج قبل بث الحلقات الحوارية، على تقديم ترويجٍ للحلقة القادمة، بأخذ مقاطع من المقابلة.
أثناء حواري مع الأستاذة أسماء، طرقت بإلحاح متكرر على سؤال: هل صحيحٌ والدها كان يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟!
البرنامج مُنع من البث بعد الترويج، من قِبل جهاز الأمن لسببٍ غريب جداً…!
-٤-
قبل الترويجِ لحوار أسماء محمود، كنا قد أجرينا حواراً مع السيد أشرف الكاردينال رئيس نادي الهلال.
وعندما تم الترويجُ لحوار الكاردينال، جاء اتصالٌ من القصر الجمهوري لإدارة القناة، يوجه بعدم بث المقابلة!
من خلال المقابلة، وما تم بثُّه عبر الترويج، شَنّ الكاردينال هجوماً عنيفاً على بعض القيادات الرياضية واتهمها بالفساد.
الأمر الذي أغضبَ قيادة الدولة، لذا طلبتْ من القناة عدم بث المقابلة.
-٥-
مُنع حوار الكاردينال من البث بعد الترويج له على شاشة القناة، وأحدث ذلك جدلاً إعلامياً واسعاً. قلتُ وقتذاك لمديرة البرامج الدكتورة إشراقة الطاهر: طالما تم منع حوار الكاردينال، هنالك حلقةٌ مسجلة مع الأستاذة أسماء يمكن بثها هذا الأسبوع.
-٦-
فعلاً تم الترويج للحلقة، فإذا بقيادة جهاز الأمن هذه المرة – دون توجيه من جهة عليا – تأمر القناة بمنع بث الحلقة، لأنّ في ذلك ترويجاً للفكر الجمهوري!
الحوار الممنوع وقع بين تقاطع نارين، الحكومة رأت فيه ترويجاً لأفكار باطل، والأستاذة أسماء وبعض الجمهوريين، رأوا في تركيزي على صلاة والدها وطرح ما يُثار عن الفكر الجمهوري من شبهات، مؤامرةً (كيزانية)!
-٧-
ما كنتُ أنوي العودة لإثارة ذلك الموضوع، لولا أن السيدة أسماء درجتْ في كل مقابلةٍ تلفزيونيةٍ معها على التعريض بي.
أتفهّمُ سببَ غضبِ السيدة أسماء، فقد انتشر مقطعُ الصلاة كالنار في الهشيم، وبات يُعاد مع ذكرى إعدام والدها في كل عام.
كثيرون اتخذوا من إفادتها بأنَّ والدها لا يُصلي الصلاة ذات الركوع والسجود، حجةً تكفيريةً عليه.
-٨-
على كل حال، أردتُ إعادة توضيحِ ما حدث لعل ذلك يُزيل اللَّبس في مثل هذه الحالات.
هنالك قصورٌ في فهم طبيعة العمل الإعلامي، وعدمُ تفهمٍ لأسلوب الحوار المعروف بـ(الهارد توك).
حينما نحاورُ شخصاً لا يعني ذلك الترويجَ لفكره أو التبشيرَ به.
وعندما نضغطُ على الضيف بالأسئلة المتلاحقة، لا يصدر ذلك عن عداءٍ أو تآمرٍ بسوءِ نية.
– أخيراً –
نحن كصحفيين ومقدمي برامج، نمارسُ سلطةَ السؤال نيابةً عن القراء والمشاهدين، وللضيوف حقُّ الإجابة والشرح والامتناع.
فإذا كانت هنالك علةٌ في التعبير أو ثقوبٌ في الفكرة، فهي قصورُ المُجيب، لا مسؤوليةُ السائلِ وسُوءُ طويته!
ضياء الدين بلال – صحيفة السوداني