قضية تغيير المناهج الدراسية
العبر والدروس
أحمد حامد الجبراوى
أن قضية تغيير المناهج التعليمية في السودان وما أحدثته من تجاذب وحراك ثم تجميد واستقالة تشتمل على مجموعة مما يجدر الوقوف عندها للتأمل والاعتبار ومن ذلك:
أولا: لاشك أنّ تقاطعات الحياة وما يعتورها من عقبات وتحديات و مطلوبات الأمم للإرتقاء والتطور يستلزم أن تتطور معه مناهج التعليم اتّساقاً مع الإرث القيمى و الحضاري والتاريخي لتلك الأمم والشعوب وأن يكلّف بها الأمناء وأهل الخبرة والتجربة لا أهل الهوى والميل غلواً أو اجحافاً أو أصحاب الأجندة البعيدة عن ضمير الأمة وأشواقها.
ثانيا:
إن الشذوذ الفكري وتعمد الاستفزاز للمشاعر والاعتداد بالنفس وازدراء الآخرين لا يستطيع صاحبه إيجاد منهج إذ أن المناهج التربوية والتعليمية طريقة حكيمة ومثلي وعادلة ومتدرجة ومستوعبة لأعمار المستهدفين وخاضعة للمراجعة والتجريب المستمر فمن لم تكن لديه الآليات والمقدرات لتلك العملية وما يتصل بها لن ينجز ما يراد منه إلّا بالتهاتر والتشاكس ليؤول الي الرفض كما حدث وهو درس مهم لتجنيب أمثال هؤلاء من أهل الغلو والتطرف من أغلى ما نملك وهم فلذات الأكباد ومستقبل الأمة.
ثالثا:
ليست القضية مجرد صورة ومقال ودرس ولكن ما يحب أن يُعلم أن التغيير إنما يكون بكلمة أو صورة أو موقف. فمن كان يتخيل أن تتحول أوربا النصرانية يوماً إلى هذه الوثنية المشاهدة !! فأول شئ فعلوه هو أنهم حولوا كل ما هو غيبي لمحسوس مشاهد بتأثير المدرسة المادية والتى تعتبر أساس للفكر الغربي الحديث بدءا من فيورباخ الى هيجيل مروراً بكارل ماركس
فامتلأت أوروبا كلها بالتماثيل والصور المجسمة لكل شئ وصولاً للذات العلية والمؤسف أنهم أدخلوا تلك الصور للكنائس ولا تعجب إذا علمت أن لوحة خلق آدم لمايكل انجلو معلقة في كنيسة سيستين بالفاتيكان عاصمة المسيحية وعليه فإنه لابد من الحذر والانتباه فمعظم النار من مستصغر الشرر .
رابعاً:
انَّ الردَّ على أهل البدع ومواجهة الضلال والمنافقين مِن أعظم أبواب الاسلام قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فَالرَّادُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مُجَاهِدٌ، حَتَّى كَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَقُولُ: ” الذَّبُّ عَنْ السُّنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ “.) [مجموع الفتاوى، ١٣/٤].
فمعركة القيم لا تقبل الحياد فالتخاذل والحياد يعتبر وقوف مع الباطل لأنه تخذيل لأهل الحق.
خامساً:
إنَّ ائتلاف مشاعر الأمة وتماسُكَها وانفعالها الأيجابي بعد توفيق الله أوقف هذا العبث بالمناهج وأن الحاجة لمزيد من اليقظة والحيطة وإدراك ما يراد بهذا البلد مما يستوجب الاجتماع، وعدم التفرق، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
فلابد من الاستمرار في المدافعة عن القيم والثوابت وعدم التواني في ذلك وكل إنسان يلقي بسهمه في ذلك.
سادساً:
علماء الأمة ومفكروها ودعاتها هم طليعة مهمة جدا ولذلك فان أهل الباطل يستهدفونهم بالكيد والمكر والتشهير وإيقاع الفتنة بينهم وذلك سبيل متصل لا ينقطع مما يعني أهمية الدفاع عنهم والوقوف من خلفهم وعدم تركهم ليجابهوا ذلك الهم وحدهم إذ لابد من دعمهم ومناصرتهم وحماية منابرهم وهيئاتهم بكل وسيلة ممكنة.
سابعاً:
إن الاسلام هو دين الله تعالى الذي اختاره أهل السودان طواعية بعد اتفاقية البقط ببن الصحابي الجليل عبدالله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنه و ملك النوبة “قليدورث”(كما تقول بعض الروايات ) فمن العبث نسبته لطائفة أو جماعة ، ولا يُرد أو يحاكم لأن الفئة الفلانية فعلت أو أخطات وإنما يتبغي أن يقبل هكذا بأخذه من نبعيه الصافيين كتاب الله وسنة رسوله اللذين لن يفترقا حتى يردا علي رسولنا الكريم الحوض كل جاء بذلك الخبر ولذلك فلا يقبل التستر فى محاربة الاسلام بهؤلاء أو اولئك .
ثامناً:
إن الوثيقة الدستورية جاء خلوا من مهمة تغيير وتعديل المناهج وذلك لأن المناهج التربوية تحتاج إلى إسناد شعبى لحكومة منتخبة من أغلبية الشعب بينما تنحصر مهام الفترة الانتقالية فيما ورد فى الفصل الثاني فقط إضافةً إلى كونها عملية تقتضى المنهج العلمي التجريبي شحذاً للتفكير وتننمية لمقدرات النشء ابتكارا وابداعا وغرسا لروح التأمل كما تحتاج قبل ذلك إلى توافق وطنى يلبى طموحات الامة ويحقق تطلعاتها بعيدا عن الشحناء الخلاف
تاسعاً:
الشكر لله تعالى على منه وكرمه وفضله ثم الشكر لكل من ساهم وأسهم ودعم وساند وكتب وتكلم ورسم وراسل وتواصل ودعى وصلى لله وابتهل ممن نعلمهم ولا نعلمهم فلا تزال أمتنا بخير ومجتعنا عامر بالايمان والخير والصلاح مما يحتاج إلى مزيد من بناء وتوجية للمقدرات والاستطاعات نحو الأهداف الكلية القاصدة لنا أجمعين وهى أحوج ما تكون لتعزيز ثقتها بربها بالعبودية الحقة وبرسولها بتمام المتابعة ثم بوطنها دفاعا ونماء وانتاجا فالوقت جوهرة ثمينة أهدرت كثيرا والامم من حولنا قد تجاوزتنا اشواطا عديدة . والحمدلله رب العالمين.
و صلى الله عليه وسلم.
احمد الجبراوي