حمدوك والقراي..!

-١-
حسناً فعل رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك بتجميد التعديلات التي أُضيفت إلى المناهج المدرسية.
صحيحٌ، الخطوة جاءت مُتأخِّرة بعض الشئ، ولكنها استبقت وقوع تطورات كارثية خطيرة.
تطورات كان من الممكن أن تنتج هزّات عنيفة تعصف بالسلم الاجتماعي وأمن البلاد.
لم يتحقّق إجماع على رفض ومقاومة أمر عام، مثل ما حدث تجاه الألغام التي زرعتها إدارة المناهج في كتب التلاميذ، بجهل أو سُوء قصد.
كل قوى المُجتمع الحيّة – دون تنسيق – أعلنت رفضها لتعديلات المناهج.
نادراً ما تتفق المجموعات السلفية مع الطرق الصوفية مع المؤسسة الدينية الرسمية (مجمع الفقه) مع كيان الأنصار على موقف واحد:
إزالة التعديلات والإطاحة بالقراي!
-٢-
الرفض الجماعي لم يقتصر على التكوينات الدينية الإسلامية فقط، بل ضم حتى جهات مسيحية.
وذكر على نطاق واسع: إن وفداً من البنك الدولي أبلغ وزير التربية والتعليم بحضور القراي رفضهم للمنهج الجديد.
قالوا بأنهم درسوا ما قام به القراي في المنهج التعليمي ولكنهم للأسف وجدوه عملاً عشوائياً، لا يتفق مع المعايير الفنية الدولية المتبعة عالمياً.
لذلك رفض البنك طباعة هذه الكتب ونصح الوفد الوزير بالاستمرار في العمل بالمنهج القديم إلى حين صياغة مناهج جديدة!
مواجهة تعديلات القراي انضمت إليها أقلام من داخل المجموعات اليسارية والعلمانية والليبرالية، المناصرة للحكومة.
أظن أن أفضل ما كتب في نقد تلك التعديلات ما جاد به الدكتور الواثق كمير.
-٣-
شعرت بفداحة ما أحدثه القراي من أخطاء شنيعة، وخطورة ما سيفضي إليه الجدال المحتدم، حين تابعت مؤتمره الصحفي قبل أيام.
استخدم القراي في مقارعة خصومه أسلحة غير نظيفة، تقوم على التجريح وإشانة السمعة.
لجأ القراي لتكتيكات أركان النقاش وأساليبها في الاستهزاء بالخصوم والمخالفين، بعيداً عن أخلاقيات التربية والتعليم.
وحينما دافع عن لوحة خلق آدم الملغومة، جاء بحجة واهية وهزيلة مفادها أن اللوحة غير مفسرة، واكتفى بذلك!
-٤-
كل ما يحدث الآن من استقطاب حاد ونذر فتن كقطع الليل، كان متوقعاً منذ بروز ترشيح دكتور عمر القراي للمنصب.
كتبت في هذه المساحة قبل إعلان تعيين القراي بصورة رسمية:
اختيار الدكتور عمر القراي مديراً للمناهج، في ذلك فتح لباب الاستقطاب الحاد والانقسام العميق.
وتوفير مادة خام لفتنة دينية، لن يسلم منها الوطن العليل.
لا يغيب عن أحدٍ أن القراي ينتمي لفكر ديني باطني، يقع في منطقة جدلية شديدة التعقيد واسعة الاختلاف.
لا يُنكر إلا مكابرٌ حاجةَ الفترة الانتقالية لحدٍّ من التوافق يضمن تحقيقَ انتقالٍ سلسٍ وآمن.
الواقع مُعقَّدٌ والأزمات مُتلاحقة والعون شحيح. ولن يكون للتغيير معنى وطعمٌ، إذا ظلَّ حال الناس في ضنك ومعاشهم في كبد.
الجميع ينتظر من حكومة حمدوك أن تُخفِّف عنهم ما يعانون، لا أن تزيد على جروحهم معارك جدلية جديدة، غير مُنتجةً وليست ذات صلةٍ بالعيش الكريم.
ما سيغيره القراي اليوم بالحذف والإضافة، سيأتي غداً للمنصب من يفعل النقيض، بحجة أن القراي دسّ نفس أفكاره الجمهورية داخل المناهج وهكذا الساقية لسع مدورة.
-٥-
توجد حجة واهية ظل يدفع بها مناصرو القراي بأن الرجل لن يقوم بوضع المناهج بنفسه ولكن عبر لجان متخصصة.
نسي هؤلاء أو تناسوا عدم وجود المؤسسية في أجهزة الدولة وسيادة سلطة الفرد الذي يختار من ينفذ له ما يريد ويبعد مخالفيه بالإقصاء والتهميش، ذلك ما فعله القراي!
-٦-
قرار رئيس الوزراء كان عليه ألا يقف في منتصف الطريق بالاكتفاء بالتجميد، وأن يمضي إلى نهايته الموضوعية.
قرار التجميد وما سيترتب عليه من خسائر مالية باهظة وإهدار لوقت التلاميذ، نهايته الموضوعية إقالة القراي وتشكيل لجنة تحقيق قانونية وأكاديمية.
لجنة تحقيق في الأخطاء الكارثية التي اُرتكبت داخل المناهج، وما ترتب عليها من خسائر فادحة.
-٧-
من الواضح أن دكتور عبد الله حمدوك – بطريقته المهذبة – أراد بهذا القرار مع تجميد التعديلات، فتح الباب بهدوء أمام القراي لتقديم استقالته ومغادرة المنصب!
هذه الطريقة تشابه ما حدث مع الدكتورين “أكرم وزير الصحة والبدوي وزير المالية وآخرين”.
ربما يستفيد رئيس الوزراء من هذا الدرس ويجري مراجعة حقيقية عميقة لاختياراته في الوزراء والمسؤولين.
والأهم من ذلك مراجعة التوجهات المتطرفة والمصادمة لتيارات شعبية لها وجود مؤثر في قواعد المجتمع.

– أخيراً –

ما مضى من زمن وما مر من تجارب، كافيين لتمكين دكتور عبد الله حمدوك من إعادة ترتيب أوراقه، وتغيير عدسات نظارته ليرى الحقائق كما هي، لا كما يتمنّى!

ضياء الدين بلال – صحيفة السوداني

Exit mobile version