القراي واليسار ولخبطة الكيمان
الباحثون عن إقصاء دين الأغلبية السودانية من خلال ربط الدين الإسلامي بنظام المخلوع، عليهم ان يعلموا ان الكيزان لا يمثلون الإسلام، والشعب السوداني لم يثر على الكيزان لاعتناقهم الاسلام وإنما لفسادهم وظلمهم واستغلالهم الدين لأغراض سياسية، لذلك لا داعي (للخبطة الكيمان)، من ثار من اجل العلمانية ومن أجل تطبيق مناهج مخالفة لدين الأغلبية السمح ومنحازة لفكر أقلية شاذ كان عليه ابتداءا ان يرفع هذه الشعارات في أيام الثورة، حتى اذا انتصر بها صدقناه، أو عليه ان ينتظر الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية ويقدم علمانيته ومنهجه في برنامجه الانتخابي للشعب والقرار بعدها للشعب ان يمنحه الضوء الأخضر لتطبيق برنامجه عبر الفوز او يسقطه في سلة المهملات، ولكن ان يخدع البسطاء بشعارات السلام والعدالة والحرية ثم حين يتم تنصيبه في موقع قومي إنتقالي يقلب لهم ظهر المجن ويعلن عن شعاراته الذاتية، فهذا يسمى سلوك انتهازي جبان، يؤكد حقيقة ان البعض لا يتعلم من دروس التاريخ شيئا.
لم تقم الثورة لأن الشعب السوداني يريد تبديل جلده الديني والتاريخي، بل قام الشعب السوداني بالثورة لانه عانى من إذلال سياسي وعوز اقتصادي وقهر وظلم. الدين والتاريخ لم يكن يوما مشكلة السودان، فالسودانيون صنعوا تاريخهم المشترك بالدماء والتضحيات، والتدين السوداني نتاج تراكم زماني ونشاط جماعات متدينة ظلت على الدوام في مقدمة المناضلين ضد الدكتاتوريات وأول المنادين بالحريات العامة، حتى الجنوب طيلة حروبه مع الشمال لم يكن يتحدث بصورة مستفزة عن طرد الدين، فهو ايضا كان يستمد قوته من أديان ومعتقدات المجتمع الجنوبي مثل الكنيسة والكجور وغيرها.
اليساريون السودانيون الذين يريدون تطبيق العلمانية وتغيير المناهج لتطابق مفهومهم الذي أسقطه داخلهم شعورهم بالانعزال من الشارع وفشلهم المتكرر في الانتخابات الحرة الديمقراطية، لا ينادون بالعلمانية من أجل سواد عيونها ولا يستهدفون المناهج من أجل خدمة الوطن، بل يتخذونهما مطية لهزيمة منافسيهم السياسيين من الأحزاب التي لها جذور تاريخية من التحالفات ذات الطابع الديني، وأقصد بالطبع تحالف الأنصار مع حزب الأمة القومي، وتحالف الختمية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهي تحالفات جماهيرية طبيعية اوجدتها طبيعة المجتمع السوداني، تحالفات تشبه اخلاق وطباع السودانيين، تحالفات منضبطة بالقانون، مسالمة، متسامحه، لا تلعب في الظلام ولا تستخدم الانقلاب على الديمقراطيات وسيلة للتمكين كما فعل اليسار في ١٩٦٩، ولا تستخدم الدين في قهر الآخرين كما فعل اليمين في ١٩٨٩، فلماذا يهرب اليسار من مقارعتها في صندوق الانتخابات ويسعى عبر الانقلابات واستخدام مناصب التعيين في الفترات الانتقالية لترسيخ افكاره وفرضها على الجماهير؟!
الثورة الراهنة كانت ضد حكومة اسلاموية وهي فرصة يريد ان يغتنمها اليسار لصناعة القطيعة بين المجتمع ودينه ولذلك استخدم القراي كمخلب قط واختطف تجمع المهنيين ليعلن من خلاله دعم العلمانية، ليخدع بهما البسطاء من الشباب والجماهير، وربما سيقود مخططهم إلى انقلاب مشابه لما فعلوه في مايو ١٩٦٩ وإعلان جمهورية علمانية في السودان ذات مناهج مدرسية لا علاقة بها بطبيعة او ثقافة المجتمع السوداني، وهو امر لم يعد مستبعدا وخيوط مؤامرته تتكشف يوما بعد يوم.
لم نعد نخشى على الثورة من الكيزان، فهؤلاء قد اسقطهم الشعب ولم تعد لديهم الجراءة ولا القوة الأخلاقية والسياسية التي تجعلهم يتصدرون لقيادة الشعب مرة اخرى، ولكننا نخشى عليها من أصحاب الأجندة الرخيصة، متسلقي الثورات، المتهافتين، أصحاب الشعارات الفارغة والسلوك السياسي غير الأخلاقي، فهؤلاء هم آفة السياسة في بلادنا وأزمة بلادنا المزمنة التي تحتاج لعلاج شامل وكامل عبر البل ولا شيء سواه.
صحيفة الجريدة