حسن إسماعيل يكتب: عندما تختلف أثمان الشهداء والجثامين ..!!

ــ أسوأ رذيلة تمارسها أحزاب الطبلة والتصفيق أنها جعلت لشهداء وضحايا الصراع السياسي أثمانا مختلفة
ــ عفوا عزيزي الشهيد بهاءالدين فالأحزاب والجهات التي تشارك في الحكم اليوم لن تسير في نعشك ولن يطل أحد من منسوبيهم يطالب بذهاب الحكومة أو إسقاطها ثمنا لدمك المهدر … ببساطة لأنهم هم ذاتهم الحكومة
ــ عفوا عزيزي الشهيد بهاء فقد وقعت حادثة إستشهادك بعد أن أغلقت بورصة المزايدات الرخيصة أبوابها ولم تعد الدماء المسفوكة تصلح للهتاف لإسقاط مجلس الوزراء والحكومة… نعم لقد (أتيت) متأخرا ياعزيري الشهيد فأصحاب ربطات العنق الأنيقة الذين كانوا يطلون بها علي الفضائيات للهتاف لإسقاط الحكومات والعويل علي دم الشهداء سابقا .. جلسوا بذات ربطات العنق تلك علي كراسي الإستوزار وأصبحوا يتغنون (كان زمان)
ــ ولكن عفوا .. فإن دماءك البريئة قد تصلح عند البعض للتوظيف في مسار آخر .. إنها تصلح للهتاف ضد مكون من مكونات الحكومة والضغط عليه ومحاصرته والمناورة ضده … (وبس)
ــ أما أنت … الشهيد الآخر عزيزي عز الدين (شهيد تجاوزات أفراد الشرطة) فإن جثمانك الممدد علي طاولة التجاهل لن تمر عليه تلكم المواكب ولن تغشاه فإنه سيذكر سماسمرة الدماء بفشل هتافات ووعود قيام دولة الحقوق والقانون والمؤسسية.
ــ ياتري مامعني أن يكون للدعم السريع سلطة إعتقال ومخابئ إعتقال ثم يهتف سماسرة الدم ضد حميدتي وحده؟ أليس حميدتي جزءا من نسق السلطة الإنتقالية ؟ ألا يستمد شرعيته من شرعية (الثورة المجنونة) ؟ ألم يجلس في مقاعد السلطة بموجب منطوق الوثيقة الدستورية … فلماذا توظيف الهتاف ضده فقط وتجاهل مجموع السلطة السياسية بجهازها المدني والسياسي والعدلي وباللافتات الحزبية والسياسية التي تمثل حواضن السلطة الحاكمة؟
ًًــ نعم لماذا لانخاطب جذر الأزمة … فالقضية ليست تجاوزات أفراد بقدر ماهي غياب نسق كامل للدولة ومؤسساتها وقوانينها وتشريعاتها ولوائحها
ــ مدهش ومضحك أن تسمع المطالبات بإخراج الدعم السريع من العاصمة .. ثم تسأل إلي أين يتم إخراجهم؟ هل الخرطوم وحدها تستحق ألا يتواجد فيها الدعم السريع؟ وهل هذا الرأي الأحمق هو ذاته الذي سيقال كحل للتجاوزات التي يقع فيها بعض أفراد الشرطة؟ وبقية منسوبي المؤسسات النظامية الأخري فهل نخرج جهاز الشرطة ومنسوبي تلك الجهات أيضا خارج الخرطوم؟
ًًــ أم أن المطلوب هو البحث عن كيفية إقامة دولة القانون والمؤسسات المنتخبة وبمثلثها الذهبي .. اجهزة تنفيذية وتشريعية منتخبة وقضائية عدلية مستقلة .. لايستخدم فيها القانون كشمسية ترفع فوق رؤوس البعض وتترك الآخرين لمجامر الظلم وهجير المظالم
ــ ماالفرق بين قتيل الدعم السريع وقتيل الشرطة؟
ــ حسنا ماالفرق بينهما وبين مقتل الشيخ السبعيني الشريف أحمد عمر بدر محبوسا لمدة تزيد عن العام دون محاكمة وماالفرق بين مقتلهم جميعا وبين مقتل عبدالله البشير بذات السيناريو ..؟ سيتلفت العقلاء المتجردون ويقولون أن الغائب المشترك الأعظم هو (العدالة) أما الذين في قلوبهم غرض فسيهتفون أن العدالة حق ولكنها لاتجوز لمنسوبي الانقاذ ..(ويحكم).. سوف ينالكم من حصيد السوء هذا كل يوم !!
ــ ثم دعونا نغوص في اللحم الحي أكثر وأكثر … ماالذي يمنع نشر تقارير تشريح جثامين فض الإعتصام … ألم ينته الطب العدلي من ذلك؟ ألم يستطع حتي الآن الكشف عن نوعية الرصاص الذي اخترق أجسادهم؟ ألم يتم تفريغ الكاميرات التي حول مكان الإعتصام؟ هل حقا لم يتم تحديد هوية القتلة؟ من غير الحمقي لايعرف الظروف التي أودت بسحل هؤلاء؟ من غير الحمقي لايعرف شبهات الإشتراك الجنائي والسياسي التي أراقت دمهم (والبنوت نيام) ؟ من غير الذين في فمهم ماء لايعرف أن السلطة الحاكمة الآن بكل تفاصيلها تغرس مقاعدها في صدور أولئك الشهداء والذين لاتصلح جثامينهم للتوظيف السياسي لإسقاط حكومة البشير .. فهذي قد ذهبت ولكن يصلح إخفاء الأدلة والبراهين لاستمرار هذه الزيجة الشيطانية من الشراكة السياسية المعقودة بنصوص الوثيقة الدستورية .. نعم الوثيقة التي كان أحد أشراط ميلادها فض ووأد الإعتصام .. وكل شركاء الوثيقة مسؤولون عن ذلك .. الذين لايزالون يتمسكون بها والذين قفزوا لاحقا وبدلوا تبديلا.. !
ــ تحدثنا كثيرا ألا نجعل من شهداء الصراع السياسي محطات للتنادي بأخذ الثأرات وحبس البلاد في محطات الغبن .. وإذكائه وجعله الطقس العام الذي تتوالد فيه العملية السياسية … ولكن
ــ ولقفل هذا الباب لابد من قيام دولة القانون والمؤسسات …
ــ مع ضرورة أخذ الحق الخاص لكل شهيد ولكل أسرة سقط منها شهيد ولكن الأهم هو تمتين سياج الحق العام .. حق المجتمع في أن تكون له مؤسسات حكم منتخبة ومؤسسات تقاضي مستقله … لانريد أن نصل للحق العام هذا بالقطاعي .. نتذكر العدل فقط عندما يسقط منا شهيد … فنعبي الهتاف حتي نبلغه مثواه ثم نترك دولة الهجين المشوهة قائمة .. تقتل كل يوم واحدا منا وتبحث كل يوم عن ضحية ..
ــ سيسقط المزيد والمزيد من البسطاء طالما استمرت حالة السيولة والهشاشة هذه .. وسيخرج سماسرة الدم كل مرة يتبضعون بالموت ويستخدمون جثامين الشهداء كأدوات للصراع والإبتزاز السياسي فيما بينهم (حسب الطلب)

حسن إسماعيل

Exit mobile version