أبناء السودان (الناجعون) في أصقاع الدنيا ينظرون إلى ثورة الشباب بتفاؤل كبير علّها تأتيهم بما يسعدهم في وطنهم ويعيدهم إلى أهلهم غانمين سالمين من الإغتراب الذي استحكمت متاعبه و تشعبت همومه وبلغت ذروتها مع فيروس الكورونا الآخذ في التحور والإنتشار وبات (بعبعاً ) يرعب الأنفس ويجفف المدخرات بل يدفع الناس سريعاً لمثواهم الأخير .
ظاهرة الإغتراب التي شكلت طموحاً مغرياً لكثير من أبناء الوطن منذ الثمانينات حيث غادروا الوطن مجبرين وكواهلهم مثقلة بطموحات لا حدود لها لكنها لم تكن طموحات شخصية فحسب وإنما تستصحب معها هموماً لأشخاص آخرين تبدأ من البيت الكبير حيث الوالدان والأخوان والأخوات ثم الأقربون ومعهم الجيران والمعارف والأصدقاء وفي الغالب الأعم تشمل الهموم كل الإحتياجات بما في ذلك بناء البيوت ومناسبات الزواج وقضايا التعليم والعلاج وفي القرى يكون المغترب أكثر سخاءً عندما يقوم بتوفير خدماتها ويدعم حيواناتها . والمغترب الذي لا يكل ولا يمل في مواجهة إحتياجات غيره يعتبر ما يقوم به تجاه الآخرين سواءً الأهل أوغيرهم هو من صميم الواجبات التي غادر من أجلها السودان بل يتملكه الشعور بالسعادة عندما يكون محط الأنظار ويلجأ الآخرون إليه طلباً للمساعدة في أمر من ضروريات الحياة وبخاصة علاج المرضى .
وحتى في المرات التي لا يكون المغترب في وضع وظيفي أومادي مريح حتى يلبي إحتياجات الناس لكنه مع ذلك لا يبحث عن عذر يدرأ عنه مصاعب قضاء إحتياجات الناس وإنما يتجه إلى الخيارات التي تكون متاحة مثل القيام بأعمال إضافية تزيد من دخله المادي وفي حال يتعذر العمل الأضافي لأي سبب كما هو الحال في بعض الدول يلجأ إلى الخيار الآخر المتمثل في الحصول على القروض المصرفية التي هي أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار .
وفي ضوء التجارب مع القروض المصرفية عانى العديد من المغتربين السودانيين من هموم سدادها ومن فشل منهم في ذلك لم يجدوا خياراً آخر غير الاستسلام للإقامة لسنوات عديدة في ديار الإغتراب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً وأما من عادوا منهم إلى السودان دخلوا في مشاريع فاشلة استنزفت كل مدخراتهم وتركتهم معدمين .
أما على صعيد المسؤوليات الوطنية فقد تعامل أبناء السودان في بلاد المهجر مع تلك المسؤوليات بصورة جادة ووضعوها على سلم إهتماماتهم وتجاوبوا بقوة مع كل نداءات الوطن وفي كل الظروف بتجرد ونكران ذات وبمنأى عن كل الأطماع الشخصية وبلغ عطاء المغتربين ذروته طوعياً في كل المرات التي شهد الوطن خلالها ظروفاً إقتصادية مزعجة على شكل دعم قوي لكل البرامج التي خصصت لذلك وأن بدأ ذلك واضحاً ومقنعاً من خلال الإلتزام بسداد ضرائب المغتربين والمساهمة الوطنية .
وقياسا على ما ذكرنا فإن المغترب السوداني الذي أبعدته قساوة الظروف المعيشية عن الوطن والأهل أثبت أنه يمثل داعما قويا لوطنه ومجتمعه في كل الظروف المعيشية ذلك فهو لا يزال مغيبا تماما من كل الأنظمة التي جلست على سدة حكم البلاد حتى من حكومة الدكتور عبدالله حمدوك التي لم تلتفت إلي قضاياه الملحة ولم توفر ما يضمن له الاستقرار والعيش بهدوء عندما يعود إلى وطنه نهائيا من حيث السكن و تعليم الأبناء والعلاج وسبل كسب العيش . طبعاً هذا هو الشيء المهم .
سليمان الماحي – صحيفة الانتباهة