* بعد قيام النميري بإعدامه للمفكر السوداني أمين عام الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق محجوب كتب رئيس مجلس وزراء حكومة حزب الأمة الأسبق، الأستاذ محمد أحمد محجوب في سفره القيم ( الديموقراطية في الميزان) عبارة ذات مدلول وأثر بليغ تعبر عن بلاغة وحذاقة العارف بالمجتمع والانسان السوداني عندما كتبها، ( بمقتل الأستاذ الشهيد عبدالخالق محجوب انتهى عهد التسامح في السودان)، ظلت هذه العبارة راسخة في وجدان غالبية أهل السودان لتصبح عبارة تتحقق كلما تشرق فيه شمس يوم جديد وأصبح فيه الحقد والرغبة في الانتقام موروث سائد بعد أن بدأ عصر التسامح يغيب ويختفي من مسرح الممارسة السياسية التي انعكست بدورها في كل المشاهد الاجتماعية.
* يظل التنوع السكاني الفريد الذي أفرز العديد من الممارسات والتجارب الإنسانية في مجالات سبل كسب العيش وممارسة الأنشطة الاقتصادية الحرفية وفي أنماط الإنتاج الزراعي والحرفي وكل ما أثر في المنتج الثقافي والإبداعي والتفكير في كيف يكون سودان المستقبل كل حسب رؤيته وللأسف لم يجد هذا التنوع الفريد من يستغله ويصنع منه دافع وحافز لمستقبل رائد لحكم السودان، للأسف أصبح هذا التنوع الذي يزخر به السودان، أحد عوامل التفرق بدلاً من أن يكون أحد من ممسكات الوحدة الوطنية، أصبح هذا التنوع يحمل في طياته عوامل ومحرضات صراع يستهدف النسيج الاجتماعي بعد أن فشلت النخب الحاكمة على مدى سنوات حكمها أن توظف هذا التنوع ليصبح لحمة وسداة للمجتمع السوداني الذي يملك من تجارب ذوبان المكونات والتنوع السكاني والثقافي في بوتقة واحدة كما هو الحال في بوتقة مجتمع ام درمان بعد سقوط المهدية ومجتمع الجزيرة التي وحدها المشروع.
* من أكبر مهددات الوحدة الوطنية ودمج المكونات السودانية التي تأثرت بعد الظروف الطبيعية البيئية وما أسفرت عنه ظروف الجفاف والتصحر، التي بدورها أسفرت عنها حروب المياه والمراعي والتي أجبرت العديد من المكونات السودانية على النزوح نحو مناطق تحفظهم من الجماعات والحروب لتشهد جميع مناطق السودان هجرات ونزوح مكونات سكانية كانت بمثابة اختبار وامتحان حقيقي لقبول بعضنا بعضاً في ظل ظروف التدهور الاقتصادي وارتفاع نسبة العاطلين والمعطلون عن العمل وصارت فرص الحصول على عمل أو وظيفة أمر شاق دونه الكثير من الممارسات المرفوضة وبدأت التراكمات السالبة تظهر بوضوح في شكل العلاقات الاجتماعية التي لم تستوعب كل المكونات السكانية بخلفياتهم المختلفة خاصة أولئك الذين يحملون معهم ظلامات الماضي وفشل النخب الحاكمة التي حملت ما لا تحتمل.
* لعب نظام حكم الانقاذ أخطر الأدوار في هتك النسيج المجتمعي للسودانيين باتباع سياسة المستعمر (فرق تسد) وضرب المكونات السكانية بعضها ببعض معتمدة على إثارة المكامن العنصرية في كل مكون وفي آن واحد صعدت كل الحروب في الجنوب وفي الغرب بدارفور مستغلة عضوية الحركة الإسلامية لقيادة الصراع هنالك وتأجيج الإقليم بأسره ولم يسلم حتى شرق السودان الذي يقف الآن على حافة الانفصال، تحول السودان إلى مليشيات مسلحة لا تحمل أي رؤية موضوعية أو فكر لكيف سيكون سودان المستقبل وكل فصائل الجبهة الثورية التي وقعت على اتفاق جوبا كل هم قياداتها أن تحرص على محاصصات كراسي الحكم، لا يهمهم سلام وأمن ولا يحزنون لأنهم يحفظون أمنهم بيدهم القوية استباحوا السودان وما تبقى من نسيج اجتماعي سوف يتهتك على أيديهم، الحقيقة التي لا يفهمها أولئك النفر من الحركات المسلحة انهم ولو استولوا بقوة السلاح على كل البلاد وانقلبوا على الحكم لن يتحركوا قيد أنملة لأن الشعب السودان هو من يقرر من يحكمه وليس عصبة من شوية فرحانين لن يحدثوا سوى مزيد من التخريب والدمار وليس صدفة أن ترتفع الأصوات تطالب بالانفصال من أقاليم وولايات السودان التي تحمل السلاح وتقود الهجوم لاحتلال البلاد باسم الجبهة الثورية ومكوناتها وسوف لن يكون سودان الغد كسودان اليوم بعد أن انتهى عهد التسامح في السودان.
***********
حسن وراق – صحيفة الجريدة