قرأتُ قبل أشهر رسالة لشاب سوداني يُطالب فيها الشباب للبحث عن مُستقبلهم في أي مكان آخر غير عبور الصحراء إلى ليبيا لاتخاذها جسراً للوصول به إلى أوروبا ، إذ أنّ الوصول إلى ساحل المتوسط لامتطاء السُمبك يمُر عبر محطات إرهاب وتعذيب يصعُب تجاوزها ، وأسماك القرش لمن تجاوز هذه المحطات أرحم بألف مرة مما يتعرّض له الشباب على أيدي العصابات المُنتشرة في ليبيا ، ضرب وابتزاز للأموال بدون أي ضمانات للوصول سالماً إلى حيثُ تُريد ، وقد تعترض طريقك عصابة أخرى تُمارِس عليك نفس الضغوط إن لم تكُن أسوأ من سابقتها ، ولمن المُشتكى القانون غائب ولكل عصابة قانونها ، وتتشابه جميعها في الوجوه المُلثمة وخلو سياراتهم من اللوحات.
لم يأبه الشباب للرسالة ، الرحلات للمجهول ما زالت مُستمرة ، والصحراء تستقبل يومياً المئات من شبابنا وهم يستجيرون من رمضاء المُعاناة والأزمات بنيران السُمبك والعصابات بحثاً عن غدٍ أفضل في تلك المهاجر البعيدة ، ولسان حالهم (اليوم) يقول بأنّ المُعاناة في مُعتقلات العصابات في ليبيا وما فيها من قمع رُبما تنتهي بحياة هادئة مُريحة في دولٍ تحترم من استوطنوها ، وأنّى لنا الاستقرار في بلادنا والفوضى فيها تتمدد مع كُل صباح جديد وينحسِر معها حتى الأمل الضعيف في أن تتحقق الطموحات ، وماسأة الشهيد بهاء نوري وما قبلها من حوادث مُريبة تدعم جنوحهم للمُغامرة بعد أن عادت السيارت عديمة اللوحات تجوب الطُرقات بلا ضابط يردع من يمتطونها من العنف المؤدي للقتل ، ومصير بهاء ينتظر كُل من أوقعه حظه العاثر في طريقهم.
من المسؤول في هذه البلاد بالله عليكم..؟
ما فائدة المحاكم والقوانين والتشريعات وما قيمة القوات الأمنية الموثوق فيها والمُتخصّصة في تطبيق القوانين طالما كُل من بيده القوة يُمارس مثل هذه السُلطات وينفذ عقوباته الفورية الرادعة على من يشاء ، إنّها الفوضى في أقبح صورها وقد فتح الدعم السريع أبوابها على مصراعيها باعتقاله للمواطن والتحقيق معه بتلك الصورة العبثية المُهينة واغتياله بهذه الطريقة البشعة ، وقد ظنّ الفاعل بأنّ القوة وحدها تكفي للسيطرة على مواطن حُر يجب أن يحيا حُراً في أرضه وينال فيها حقوقه كاملة غير منقوصة وما من أفضلية فيها لشخص على الآخر إلّا بما قدم من أعمال نبيلة وخدمات جليلة للعامة.
ما رأي حكومتنا بمكوناتها المُختلفة في هذا العبث..؟
انتهت عهود القمع ببزوغ فجر الحُرية وبارتفاع درجة وعي المُواطن المسنود برأي عام أرغم الجُناة على الاعتراف بالحادثة المُريعة ، والاعتراف بتعذيب وقتل الشهيد بهاء لا قيمة له إن لم تظهر نتيجة التحقيق المتبوعة بتنفيذ فوري للعقوبات ، وعلى الدولة الانتباه والحسم وأن لا تترُك الحبل على الغارب حتى لا ننزلق إلى هاوية لن يُخرجنا منها الندم على التفريط.
وكان الله في عون البلاد وأهلها.
***********
زاهر بخيت الفكي – صحيفة الجريدة