من عجائب ومفارقات الساسة السودانيين فيما يخص مجلس تشريعي الفترة الانتقالية، أنهم كلهم يبكون عدم تكوينه حتى الآن رغم أهميته القصوى المتفق عليها، ما اعتلى أحدهم منبراً أو أدلى بتصريح سواء كان من الحاضنة السياسية أو مجلس الوزراء أو السيادي أو حتى الشركاء الجدد ومجلس الشركاء الجديد الا وبكى عدم تكوين المجلس التشريعي، ومع حالهم هذا العجيب والغريب استحقوا ان يشرع في وجوههم سؤال استنكاري على غرار سؤال الفقيه مالك بن دينار( كلكم يبكي فمن سرق المصحف)، فنسألهم (كلكم تبكون فمن عطل تكوين المجلس التشريعي)، وما أشبه فقدان الفقيه الزاهد مالك بن دينار لمصحفه وافتقادنا للمجلس التشريعي، وما أشبه جلساء الفقيد بسياسيينا، فعندما فقد بن دينار مصحفه في مجلسه الذي كان يعظ الناس فيه ويفسر لهم القرآن منه، وعقب موعظة جليلة له أبكت الناس خشوعا وتأثرا، وبعد أن فرغ من صلاته، بحث عن مصحفه فلم يجده، فبادرهم بالسؤال الذي ظل مشرعاً في وجه المجتمعات ومعبراً عن ازدواجيتها وعاكساً تناقضات عميقة في أغوارها، ففي الوقت الذي كان يأمل ان يجد اجابة عن مصحفه، وجد الناس منخرطون في نوبة بكاء ونحيب.�فأطلق عبارته التي ما يزال الناس يتداولونها الى يومهم هذا، (كلكم يبكي فمن سرق المصحف)، وكذا يفعل سياسيونا حينما يسألون عن المجلس التشريعي، كلهم بلا استثناء يدين ويشجب ويستنكر عدم تكوينه الى اللحظة بل ويسهب في الحديث عن أهيته وضرورته العاجلة، فمن يا ترى عطل تكوين المجلس اذا كانت كل الجهات المسؤولة عن تكوينه تتبرأ من المسؤولية وتلقي بها على غيرها وتتمنى أن يتم تشكيله اليوم قبل الغد..
لقد استنفد كل المعنيين بالتوافق والاتفاق على تكوين المجلس التشريعي كل الحجج الواهية التي عطلت تكوينه، ولم يبق أمامهم ما يعتذرون ويتحججون به اللهم الا ان كان وراء الاكمة ما وراءها، اذ يبقى هذا التعطيل محل شك وظنون واتهامات تطال هؤلاء الذين لا يرغبون في المجلس التشريعي ويسعون لأن لا تقوم له قائمة لشئ في نفوسهم، فالمجلس التشريعي هو الهيئة الشعبية المناط بها سن القوانين والتشريعات ومراقبة أداء مؤسسات الحكم الانتقالي بمستوياتها المختلفة، وكذلك المحاسبة والمساءلة حتى سحب الثقة، وإجازة الموازنة العامة للدولة، والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية، ولعل اجتماع هذه السلطات في يد المجلس التشريعي هو مصدر قوته وأهميته، ومن المعلوم، أن الاعتراف بأهمية المؤسسة التشريعية ولجانها الدائمة والمؤقتة من قبل المواطنين، من خلال قدرة المؤسسة التشريعية على تقديم اسهامات تشريعية لمعالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، والقدرة على مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية، هو ما يخيف البعض ويهدد أهدافهم الخفية مما يجعلهم غير متحمسين لقيامه، وتلك ستكون مصيبة لو صدقت هذه الاتهامات.
***********
حيدر المكاشفي – صحيفة الجريدة