مشاهدات ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠م.. (الشارع لم يعد ملك احد دون آخر)

مشاهدات ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠م (١)
(١) خلاصة تفاصيل ما يجري اليوم إنها ترسم ملامح (واقع سياسي جديد، وفرض معادلة جديدة)، ويمكن التعبير عن ذلك بلغة أكثر تحديدا (أن الشارع لم يعد ملك احد دون آخر)، لقد زايدت قوي سياسية كثيرة على تفويض الشارع ونبض الشارع وقوة الشارع، ومن الواضح أن هذه المقولة غير قابلة للتسويق اليوم. للشارع اليوم منطق جديد.
* وأكبر المشاهد، أن المجموعات الميدانية التي تدير المواكب ، و ذات الهتاف الواحد، والمسارات المحددة، لا تملك اليوم اي فاعلية، فالهتافات شتى، والإتجاهات شتى، و المسارات شتى، و المجموعات الأكثر تنظيما وتماسكا، هي الداعية لإسقاط (حمدوك)، و(الحكومة الإنتقالية)، و(الحزب الشيوعي) ٠
* ومن الواضح أن الذين راهنوا على الشارع وأقصد هنا (الحزب الشيوعي)، قد اخطأوا التقدير حين أستهانوا بقوة الشارع ولم يحترموا قيمه وعاداته وتقاليد، ولذلك أنقلب عليهم الشارع.
* ومن بين كل الخارجين، فإن أصوات الناقمين أكثر من المحتفلين.
* ودون شك، فإن إستخدام حق التعبير بسلمية وتعامل الأجهزة الأمنية والشرطية منضبط حتى اللحظة.. وكانت مجموعات محدودة قد احرقت إطارات في بعض الشوارع والطرقات وسرعان ما أنفضت وانسحبت.
* من دون شك فإن تأييد مجلس الشركاء للمواكب ومواقف الحواضن السياسية وموقف مجلس الوزراء، فيه مزايدة سياسية وخاصة عدم إعتراضهم على المواكب من حيث المبدأ في ظل تصاعد جائحة كورونا وموجتها الثانية..
* إن المواقف المستفزة تجاه الدين، والأحاديث المتواترة قد خلقت نفورا من الحكومة وبعض حواضنها السياسية وقد بدأ ذلك جليا في الشعارات والهتافات، ومثلما كانت الأصوات عالية ضد الفشل، فإنها أيضا تتحدث عن العلمانية وسياقات أخرى واضحة للعيان.
* من الواضح أن الحكومة كانت في مرمى نيران كل الأطراف، دون أن يكون لها أي حائط صد، لم يدافع عنها أحد، لا حديث عن كسبها، أو تبرير لمواقفها، وحتى د. حمدوك لم يسانده احد، كانت الحكومة اليوم (بلا غطاء)!
(٢)
ثلاث نقاط تثير الإهتمام في موكب ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠م، وأولها : إنحسار تأثير (الميديا)، ونسبة التفاعل مع الحدث وتفاصيله لم يعد بذات التأثير في إتجاه واحد، لقد تراجعت شعبية (نجوم) و(مجموعات) لجان وبيانات التجمعات والتفاعل معها والإنخراط فيها، ومن خلال تحليل المحتوى فإن المنتج (سوداني خالص).
والنقطة الثانية : هو التعاطف الشعبي، ونفس وشكل وسمت المواطن العادي، الذي يبحث عن همومه اليومية من بين ركام الشعارات الكثيرة والخطوط المتقاطعة، لم نشهد آباء (بجلاليبهم) أو (أمهات بثيابهن)، أو باقوالهم ومداخلاتهم..على الاقل في الخرطوم، هناك ملامح في الولايات دون شك.
والنقطة الثالثة: إن مواكب الولايات ذات أهداف واضحة (إسقاط حكومة حمدوك وحكومة الغلاء والعلمانية)، وهذا يؤكد إشارتنا ان الشارع لم يعد ملكا لأحد.. كما أن لجان المقاومة لم تعد معبرة عن وجدان الشارع وروحه.
(٣)
عند لحظة توازن القوى والمعادلات المعقدة، فإن الجميع يعود للفيصل، فلم تعد العبارات الفضفاضة كافية للبناء عليها ، كما أن تولي أمر الناس ليس نزهة، وإنما القيام بواجباته، وبما أن الجميع يعترف ان الحكومة فشلت في تحقيق غاياتها، فإن الخيار هو توحيد الجهود، وفق مصلحة وطنية للعبور، من خلال عملية سياسية خاتمتها إنتخابات، وما خلا ذلك محض إدعاءات.
إن المرحلة القادمة تتطلب مشروع وطني جامع، فقد غاب العقلاء وأهل النباهة، وتقاصر دور المؤسسات الفاعلة والشخصيات القومية والوطنية، لقد تجنبت بلادنا مطبات كثيرة بفعل حنكة بعض القوى السياسية المفتري عليها وتحملت الطيش والنزق، بصبر وجلد، حتى لم يعد في الجسد منزع.
إن بعض الأحداث فرصة لإعادة قراءة المشهد وإجراء معادلات جديدة تحقق لشعبنا الإستقرار والتنمية والعدل، وهذه واحدة من تلك السوانح.

د. إبراهيم الصديق على

Exit mobile version