الممثل المعروف (جاكي شان) ..قال في مقابلة تلفزيونية ..انه يتحسر على التربية والمفاهيم الصينية التي ضاعت عندما استوطن امريكا ..فقد تربى بسياسة صارمة ..فالمجتمع الصيني يقدس الاباء والامهات ..فاذا كان احد الابناء جالسا ودخل عليه ابوه ..فان الابن ينهض واقفا ويحيى الاب بانحناءة ويظل واقفا حتى يسمح له بالجلوس ..والشخص التالي في المكانة والاحترام هو المعلم ..قال ان المعلم كانت يده مطلقة فيهم ..وكان لا يسأله احد لماذا ضرب احد التلاميذ ..سأله المذيع الامريكي (وهل نفع ذلك معكم ؟) ..قال جاكي شان (جدا ..فقد نشانا جيل شديد الانضباط ..نطبق ملابسنا بعناية ..نضع الاحذية بترتيب ..نعتني بالنظافة ونظام الغرفة ..لكن ابني لا ينظم غرفته ..ادخل عليه فلا يعدل جلسته ..حذاءه فردة في غرفة الطعام والاخرى في الشرفة) ..ضحك المذيع وقال له (اذن لماذا لا تضربه؟) ..فرد جاكي شان بحسرة (لو ضربته ..سيقاضيني ).
حديث جاكي شان حسم الجدل الدائر في رأسي منذ مدة ..فقد فكرت طويلا في ذلك القانون الذي احتفت به وزارة الشؤون الاجتماعية و معها وزارة العدل..قانون (احترام خصوصية الاطفال) ..والذي يمنح الاطفال حقوق كثيرة ..(اللهم زد وبارك ) ويمنعنا نحن الآباء من التدخل في امور تخص افلاذ اكبادنا . كيف حسم جاكي شان الجدل ؟..ذلك انني عرفت مربط الفرس في النقاش ..وهو اختلاف ثقافة الشعوب ..القانون الذي اقام الدنيا ولم يقعدها هو قانون مستمد من وحي الثقافة الغربية …والتي يفارق فيها الابن او الابنة بيت الأسرة عند بلوغه الثامنة عشر من العمر ..القانون مفصل على مجتمعات تعتمد على الاسر الصغيرة ..وتقر انفصال الفرد منذ سن باكرة ..لذلك يعتبر هذا القانون معززا لمفاهيم مجتمعية ..معينة
لكن ان تاتي به الى بلاد مجتمعها مبني على اسر ممتدة ..والشورى والرأي بيد الجد والعم والخال ..فهذا امر يحتاج كثير نقاش وربما استفتاء وتصويت كمان …فاستجلاب قوانين عالمية لانزالها على ارض الواقع ..تحتاج الى دراسة متأنية لتفصيلها على مفاهيم وتقاليد المجتمعات المختلفة ..دول مثل الصين واليابان وكوريا ..بلغت شأوا بعيدا في الصناعة والتقدم التكنولوجي ..لكن مجتمعاتها لا تزال تحتفظ بذات التقاليد والعادات التي توقر الكبير وتضع قيمة عالية للأسرة الممتدة ..اذكر انني صادفت في زيارتي لكوريا عطلة رسمية لعيد تجتمع فيه الاسرة الكبيرة ..ويسافر الأبناء من اماكن عملهم لاجل ذلك الاجتماع الاسري وذلك الذي يتخلف عن الجمع ..فلابد ان المانع كان امر جلل ..
حسرة جاكي شان كانت ليست فقط على عجزه عن اخضاع ابنه لمفاهيم وقيم المجتمع الصيني ..ولكن ايضا على اندثار مفهوم مجتمعي ظل متوارثا لالاف السنين ..وهذه ضريبة العيش في مجتمعات ثقافتها بعيدة كل البعد عنك ..اما ابن جاكي شان ..فلا يحس بذلك الاختلاف ..فهو ابن هذا المجتمع الجديد ..وهذه القوانين لها ما يبررها في نظره ..فهي تناسب ذلك المجتمع وتلك الاسر الصغيرة ..لكن ذات القانون سيكون صعبا ان تطالب الصين بتطبيقه ..او اي من البلاد الشرقية ..مثل بلاد الشرق الأوسط ..او حتى افريقيا .. لن يكون مجديا وسيقابل بذات الضجة التي قابلت القانون عندنا.
لذلك اقول في الختام ..انني كأم ..اطالب بحقي في التدخل في حياة ابنائي ..ومناقشتهم في اي افكار اجدها غريبة عنهم وربما تكون سببا في ضياعهم ..اطالب بحقي في ان اكون موضع طاعة واصغاء لما اقول كشخص كرس حياته لتربيتهم ورعايتهم ..ولم يدخر وسعا في اسعادهم ..من حقي ان اعرف من هم اصدقاء ابني او صديقات ابنتي ..من حقي ان اعلق على طريقة لبسه ومواعيد خروجه وعودته ..من حقي ان ابحث في هاتفه ان شككت في سلوك مريب ..او افكار شاذة وغريبة ..من حقي ان ابدي رأيي في خيارات مستقبلية اراها غير صالحة وغير مناسبة له ….الخ ..الخ ..فان كان قانون الطفل وخصوصيته قد تمت اجازته ..فاني ارفع صوتي يا سعادة وزير العدل مطالبة بقانون يعطي الاباء صلاحية التدخل ..و يمنحهم حصانة من الملاحقة والمقاضاة في حالة نشوء خلاف اسري حاد …وهذا مني للاعتماد
***********
ناهد قرناص – صحيفة الجريدة