هيثم كابو يكتب: حمدوك ولا “جوك جوك”!
* يُحكى أن سفينة عملاقة تعطل محركها، واستعان أصحابها بمجموعة كبيرة من الخبراء؛ ولكنهم فشلوا جميعاً في معرفة سر العطب وإصلاح المحرك الذي خاصم الدوران.
* حارت بهم السبل، وضاقت بهم الحيل، وما أشاروا عليهم بأحد المتخصصين في إصلاح السفن إلا وهرولوا إليه، ولكن محاولاتهم جميعاً باءت بالفشل، حتى أتى إليهم رجل يعمل في إصلاح السفن منذ سنوات الصبا الأولى، كان يحمل معه حقيبة بها بعض الأدوات التي يحتاجها في إنجاز مهمته، وعندما وصل، بدأ في فحص المحرك بتأنٍ، وظل يقرأ الأوضاع من حوله في صمت وتأمل وتدبر بلا أدنى صخب، وعيون أصحاب السفينة تراقبه عن كثب، ممنين أنفسهم بمعرفة الرجل لمكان الخلل وإصلاحه، وبعد الانتهاء من الفحص، ذهب (الخبير) إلى حقيبته، وأخرج فقط مطرقة صغيرة، وبهدوء ضاعف قلق أهل السفينة طرق الرجل على جزء معين من المحرك، وبعدها مباشرة عاد المحرك للحياة، وبذات الهدوء المحير أعاد الخبير المطرقة إلى مكانها، وقال بتواضعٍ : (المحرك تم إصلاحه تماماً)، ولم يصدق أصحاب السفينة ما حدث بعد أن أُغلِقت الأبواب في وجوههم، وفقدوا الأمل تماماً.
* الطريف في الأمر أنه بعد حوالي أسبوع استلم أصحاب السفينة فاتورة الإصلاح من الرجل الخبير، وكانت مفاجأة بالنسبة لهم فقد طلب عشرة آلاف دولار، ونسبة لأنهم كانوا حضوراً ساعة إصلاح الخلل؛ فقد رأوا أن المبلغ المطلوب كبير جداً، فالخبير لم يفعل شيئاً سوى الطرق بالمطرقة لمرة واحدة، وطالبوه بفاتورة مفصلة حتى يعرفوا ما أنجزه، كي يمنحوه أجره كاملاً، وبذات الهدوء الذي أصلح به الخلل، أرسل الخبير فاتورة من نقطتين فقط، قال فيها : (الطرق بالمطرقة قيمته دولار واحد، وقيمة معرفة أين تطرق تساوي ٩٩٩٩ دولاراً !!)..!
* الجهد مهم حقاً، ولكن الجهد وحده لا يمكن أن يكون محصلة كاملة للنجاحات الكبيرة، فالكفاءة هي سر الاختراقات، والمهارة تكمن في معرفة تواقيت ومواضع بذل الجهد، والضربة الواحدة التي قام بها الخبير في القصة أعلاه تمثل المعنى الكامل لعبارة (ضربة معلم)..!
* و(ضربة المعلم) هي ما قام به رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فالرجل (عبر وانتصر) محققاً هدفاً استراتيجياً بعيد المنال، عندما كانت رؤية الكثيرين محدودة الأفق، وقصيرة المدى، ولا تتجاوز نظرتهم أرنبة أنوفهم، فالبلد تعاني أوضاعاً اقتصادية مزرية، والحال لا يسر، ووحش الغلاء الكاسر يفتك بالجميع، والتراخي في حسم كثير من الملفات خلق حالة من الغليان، والتساهل في قضايا تنتظر الحسم الفوري رفع وتيرة الغضب، ولكن في ظل كل هذه الأوضاع يجب أن نرفع القبعة لحمدوك فالرجل أدار ملف إعادة السودان للمجتمع الدولي بحنكة الكبار، ودهاء الخبراء، ونجاحه في مؤتمر شركاء السودان كان يمثل نقلة نوعية تستحق أن يركز عليه الإعلام، ويبشر بمستقبلها، ويعدّد مكاسبها، ويبصر الرأي العام بالاختراق الذي أحدثته، ولكن قنواتنا الفضائية التي وقفت متفرجة على مشروع (القومة للوطن) لم يتجاوز دورها في مؤتمر الشركاء انتهاء (الأداء) بانتهاء مراسم (النقل)، لتأتي الآن (ضربة المعلم) التي اخرست الألسن، وبدأت في إيجاد حلول جذرية لمشاكل البلاد المتوارثة، وإن لم تظهر كافة فوائد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كاملة الآن، فحتماً أن هذه الخطوة المتجاوزة ستجني ثمارها أجيال متعاقبة، فهي البداية الصحيحة لتعافي وطن قوي اسمه السودان.
* ليس هناك ثمة جديد يكتب، لذا تجدنا اليوم نحتفل بما تحقق، ونعيد ما سطرناه عبر هذه المساحة من قبل تحت عنوان (ضربة معلم)..!
* نعم، ننتقد حمدوك في التقصير الذي يلازم كثير من الملفات، ونختلف معه في طريقته (الحنينة)، ومعالجاته المتمهلة، ولكن يجب علينا الآن أن نقول له (شكراً حمدوك) لأنك عملت بصبر كامل؛ وفي صمت شديد، فكانت النتائج هي المتحدث الرسمي إنابة عنك .. (شكراً حمدوك) لأنك لم ترمِ المنديل، وتقدم استقالتك وتعود لعملك خارج البلاد عندما خذلتك (حاضنتك السياسية)، وبدت وكأنها (خصماً) لا (معيناً) .. (شكراً حمدوك) لأنك كنت أكثر منا جلداً وتحملاً من أجل وحدة تراب الوطن وأمنه؛ ولم تخلق مواجهة مباشرة ما بين الشارع الذي هتف باسمك وقيادة المكون العسكري التي ظلت تتربص بحكومتك، وتكيد لها علناً، وتسعى لاستبدالها ببعض الانتهازيين الذين يبحثون عن المناصب على حساب دماء الشهداء؛ وتضحيات الثوار؛ وآمال الملايين الذين ينتظرون الفرج القريب.. (شكراً حمدوك) لأنك فعلاً خاطبت جذور الأزمة، وابتعدت عن تخدير الناس بالمسكنات، وعملت بتفانٍ وإخلاص و(طولة بال) لمعالجة المرض لا العَرَض.!
نفس أخير
* لا عزاء للفلول، الذين كلما ظنوا أن الثورة فقدت بريقها، عادت لهم أنضر وأقوى وأجمل، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كان بمثابة (رصاصة الرحمة) التي جعلتهم يتمنون الموت بدلاً عن البقاء قيد الحياة و(حمدوك ولا جوك جوك)..!
معرص بتشتم في حمدووك بطريقة ماكره