تتبدى نذر الحرب على حدود السودان وإثيوبيا بعد أن تحرك الجيش السوداني بإسناد سياسي واسع وتضامن مصري لافت، لاستعادة مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية التي سيطرت عليها مليشيات تابعة لقومية الأمهرة الإثيوبية.
وللمرة الثانية خلال 8 أشهر وصل رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان أمس الخميس إلى تخوم حدود بلاده مع إثيوبيا في ولاية القضارف، وذلك لتفقد قوات الجيش هناك.
وجاءت الزيارة بعد يوم من إعلان الجيش السوداني في بيان رسمي أن قوةً تابعة له تعرضت لكمين نصبته مليشياتٌ إثيوبية داخل الأراضي السودانية، مما أدى إلى خسائر في الأرواح والمعدات.
وأضاف البيان السوداني أن مليشيات وقوات إثيوبية نصبت كمينا لقوة من الجيش كانت تمشط المنطقة حول جبل أبو طيور داخل الأراضي السودانية. وأفادت مصادر متطابقة أن الهجوم أدى لمقتل ضابط و3 جنود.
وقد أدانت القاهرة الهجوم، وقال بيان لوزارة الخارجية “جمهورية مصر العربية تتقدم بخالص تعازيها للسودان الشقيق في ضحايا الاعتداء المؤسف الذي تعرضت له عناصر القوات المسلحة السودانية مساء الثلاثاء 15 ديسمبر/كانون الأول 2020 حول منطقة جبل أبو طيور المتاخمة للحدود الإثيوبية”.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن حكومته “تتابع عن كثب الحادث” على الحدود مع السوداني.
وأكد آبي أحمد -في تغريدة عبر حسابه في تويتر- أن مثل هذه الحوادث لن تكسر الروابط بين البلدين، ومن الواضح أن “أولئك الذين يثيرون الفتنة لا يفهمون قوة روابطنا التاريخية”.
ويعد هذ الهجوم الثالث من نوعه هذا العام، حيث تفقد البرهان في أبريل/نيسان الفائت الحدود إثر هجوم مشابه أسفر عن مقتل جندي سوداني.
وفي مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش السوداني أن مليشيات إثيوبية مسنودة بجيش بلادها اعتدت على الأراضي السودانية مما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة 7 جنود وفقدان آخر، إضافة لمقتل طفل وإصابة 3 مدنيين.
استعادة الأراضي
ورغم تحركات الجيش السوداني لاستعادة أراضيه والتي تزايدت وتيرتها إبان الحرب التي تشنها الحكومة الفدرالية بإثيوبيا على جبهة تحرير تيغراي، تبدو الأراضي المستعادة حتى الآن ضئيلة مقارنة بالأراضي المحتلة.
ويقول مبارك النور نائب دائرة الفشقة في البرلمان المحلول للجزيرة نت “المزارعون الإثيوبيون وتحت حماية مليشيات أمهرية يسيطرون على نحو مليوني فدان من أخصب الأراضي السودانية في أفريقيا”.
ويوضح أن تحركات الجيش حتى الآن لم تسفر سوى عن عودة (10ـ 15 ألف فدان) فقط، في حين تسيطر المليشيات الإثيوبية على 300 ألف فدان من الفشقة الكبرى، إضافة إلى كامل أراضي الفشقة الصغرى (500 ألف فدان) وهي المنطقة التي استعاد الجيش بعض أراضيها.
ووفقا لنائب الفشقة فإن التحرك الذي يقوم به الجيش مطلوب ويجد كامل المساندة من أهالي المنطقة، ولكن القضية معقدة والأراضي لن تعود “بسهولة” مما يتطلب الحوار ين البلدين.
وقد توغلت القوات الإثيوبية بشكل استيطاني على طول الشريط الحدودي بين البلدين بمساحات تتفاوت بين 10-20 كيلومترا -كما يقول النائب السوداني- ونقلت نحو ألفي مواطن مزارع إلى تلك المناطق، وشيدت بها 30 قرية أشبه بالمدن وتتمتع ببنية تحتية جيدة، في محاولة واضحة لتغيير التركيبة الديموغرافية.
ويضيف النور أن اهتمام إثيوبيا بإدخال الخدمات إلى منطقة تحتلها بوضع اليد، قابله إهمال سوداني منذ العام 1957، قائلا “الاستيطان الإثيوبي تزايد بعد عام 1996 بعد اتفاقية زراعية غير معلنة، وقعها والي القضارف الشريف أحمد عمر بدر مع الجانب الإثيوبي”.
ويفيد بأن الفشقة الكبرى (شبه جزيرة بين أنهار ستيت والعطبراوي وباسلام) والصغرى (شبه جزيرة بين نهري العطبراوي وباسلام) معزولتان عن السودان لانعدام الطرق الممهدة التي تربطهما ببقية القطر.
إرادة سياسية
بدوره، يقول عبد الله الصادق رئيس لجنة ترسيم الحدود السودانية السابق “الحدود بين البلدين مرسمة وفقا للخط الحدودي الذي رسمه البريطاني ميجر قوين عام 1902، وتوجد خريطة بذلك لدى البلدين”.
ويذكر للجزيرة نت أن إجلاء الاستيطان الإثيوبي بالأراضي السودانية يحتاج قرارا وإرادة من الحكومة الفدرالية بأديس أبابا، في ظل اعتقاد الأمهرة (حلفاء آبي أحمد) بأن أراضي الفشقة جزء من إقليمهم.
ويصف الصادق الوجود الإثيوبي في الفشقة بأنه اعتداء سافر وغير أخلاقي من قبل إثيوبيا للأراضي السودانية، خاصة وأن اختراقات الحدود عند الفشقة تصل إلى أكثر من 20 كيلومترا.
ويوضح أن الحدود بين البلدين وفقا لخط قوين الحدودي تبلغ 1605 كيلومترات، قبل استقلال إريتريا عن إثيوبيا وانفصال جنوب السودان عن السودان، وقد تمكنت لجنة الحدود المشتركة من ترسيم المتبقي من حدود البلدين وهي 725 كيلومترا.
ويؤكد الصادق أنه ترأس لجان إعادة ترسيم الحدود ميدانيا بين البلدين في أغسطس/آب 2012، خلصت إلى إعادة ترسيم الحدود على الورق والاتفاق على فرق الترسيم واختيار مواقع المعسكرات والأعمدة الخرسانية، وكان ينتظر البدء في الترسيم على الأرض في يناير/كانون الثاني، لكن وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي (من قومية تيغراي) أوقفت ذلك حتى الآن.
ويختم رئيس لجنة ترسيم الحدود أن اللجنة وقتها قدمت للرئيس المعزول عمر البشير خارطة كاملة للحدود مع إثيوبيا، توضح عبر صور بالأقمار الاصطناعية اختراقات الإثيوبيين ومشاريعهم وطرقهم المسفلتة على أراضي السودان.
أحمد فضل – الخرطوم
المصدر : الجزيرة