] عندما يسألونك عن سيد الغناء الرصين أبو عركي البخيت، قل لهم أنه يجسد الآداء الغنائي بكل تفاصيله الإبداعية ، والحالة الغنائية برسالتها الواعية وملامحها الجمالية ، كيف لا، وصوته المُترع بالمسؤولية يعكس فرح الأعوام الخضراء وحزن يباس السنين .. حنجرته مسكونة بلوعة الشوق، وحكاوي العشاق، ونبض الشارع، وهموم الناس، وقصص الشجن، وتداعيات البهجة، ودفق الحنين، وميلاد الأهازيج ..حنجرة تحمل على ضفافها (جمال غُنوتنا، وريحة ترابنا، وهدير مواكبنا، ودعاش زرعنا، وهتاف شوارعنا، وزغرودة عديلنا، وجرتق حرفنا، وسنابل جرِفنا ..والليلة يوم ميلاد فرحنا)..!!
] يطرب الأبدان .. يدغدغ الوجدان .. يستنفر ذائقتك الفنية .. يستقطب قابليتك الموسيقية ويستفز رهافة حسك الغنائية للخروج في مسيرة طرب هادرة هتافها 🙁 لا للآداء الغنائي وحده، ونعم للحالة الغنائية)..!!
] لا استبعد استغراب أحدكم لشعار مسيرة (الاستنفار النبيل) محتجاً بعدم وجود إختلاف بين (الآداء) و(الحالة الغنائية) مع أن البون بينهما شاسع والفرق كبير، فإن كان الآداء الغنائي يمثل منظومة تحكم العلاقة ما بين (المسرح والمتلقي والفنان) وفق (ضوابط الرسالة الفنية الواعية، وعلو الحس النقدي عند أذن الإستيعاب الصاغية)، فإن تميز الحالة الغنائية عن الآداء يكمن في عمقها في التغنى بآلام الأمة والتصالح مع هموم الشعب ليجد المطرب نفسه قد تجاوز (الآداء الغنائي) عابراً فوق جسوره وصولاً لمرحلة ما قبل سدرة منتهى التعايش والتقمص والإنسجام للدرجة التي تدفع المستمعون لمبايعته جهراً وعلانية، وتنصيبه (ناطقاً فنياً) باسمهم بعد أن يصبح مطربهم الأول وفنانهم المفضل وصوت آهاتهم وصدى أناتهم وفصيح حسهم وعميق إحساسهم ..!!
] إن كانت تلك هى الفروقات بين (الآداء) و(الحالة الغنائية) فإن هناك نوع من الفنانين يجمعهما في مشروع فني واحد، ولعمري أن الفنان المرهف حقاً أبو عركي البخيت يمثل تلك الفئة بلا جدال، ففي الأعمال الوطنية الخالصة لأجل التراب والعرق والبلد لا يُعلى عليه، كما أنه متجاوز في العاطفة فكراً ونصاً ونغماً وطرحاً ومعالجة ودونكم كثير من الأعمال التي حتماً من بينها رائعة الراحل المقيم سعد الدين إبراهيم (حكاية عن حبيبتي) التي أضفی عركي على كلماتها بعداً آخراً فرفعت لواء الخروج عن المألوف، كيف لا، والأغنية تتغزل في الحبيبة بأبيات مختلفة :
عن حبيبتي بقولكم
لونا سمرتو منكم
ماخدة حاجات منكم
الوليفة ندى الشروق الغنى لي زراع أرضنا
الأصيلة زي الشعاع يدخل رواكيبنا وأوضنا
الجميلة تفوتنا هسه ونبقى مشتاقين برضنا
البعيدة ندور نقرب ليها حاجات تعترضنا..!
] طبع عركي بأنغامه الساحرة على الأفئدة، وأحتل بكلمات أغنياته الدواخل، وتداول الناس روائعه كالعملة ، فحفظ الجميع أغنياته عن ظهر قلب مرددين مع التيجاني حاج موسى:
واحشني يا الخليت ملامحك في حياتي .. واحشيني يا الرسيت مراسيك جوه ذاتي .
] أنه (الناطق الرسمي) بآمال الملايين وآلام عشاق الطرب الرصين.. بايعوه في صمت وحبور تحت شجرة (المباديء والإلتزام والصدق) وهو يغنى لهاشم صديق، حسن السر، محجوب شريف، عوض أحمد خليفة، عفاف الصادق، كامل عبد الماجد واسحق الحلنقي حتى باتت أغنياته منارة الضائعين؛ وأنشودة الحالمين، ولغة المرهفين، وهتاف الثائرين، ووسادة الغلابة الكادحين..!!
] لا يختلف أثنان على حقيقة أن عركي يمثل قمة الإجادة والتطريب والتفاعل والطلاوة.. تميز عن الكثيرين وأختار التمرد درباً عندما مشى معظم المطربين على طريق من سبقهم من الفنانين.. تمرد على التقليدية، وخلع عباءة المكرورية، وأستدعى الدهشة، ورفع لواء البهاء وراية الاستثناء بعد أن ضرب موعداً لنفسه مع (إلا وأخواتها) ليلتف الجميع حوله لحظة الغناء، ويدورون في فلكه عندما ينشدون الإختلاف، ويبحثون عنه كلما سعوا لجديد يفتح مغاليق لم يطرق أهل الغناء أبوابها ..!!
نفس أخير
] وخلف محمود محمد مدني نردد :
يا قلب أنا كنت قايلك تبت من تعب السفر .. ومن مخاواة القماري ..ومن شراب موية المطر ..!
هيثم كابو – صحيفة الانتباهة