رصة الكِسرة علي حواف الصينية ذات النقش المُسماري الذي يحمل اسم صاحبتها ما تبقى من هريسة.. “كدكيد العضام” – الشطة الخضراء الجرجير – الفجل – البصل الأخضر- عجنة “القرع” ومُلاح الأسود – وأخوك “خنق” أديهو موية – وسرقة لحمة الملاح تحت غطاء “لقمة” كسرة كبيرة – وجك الموية – كديسة البيت وحُرية الحركة تحت “الطربيزة مرفوعة الذيل ومواؤها المُتقطِّع – مُتاوقة “الجداد “من بعيد لبعيد – استرخاء “كلب البيت” على مقربة من المائدة والنظر بعين نصف مُغمضة وتوقُّع “عضم” طاير في أية لحظة – ومُراجعة باقي البتيخ البودوهو للغنم من أحدهم – شاي الغداء.. توزيع المهام “ختة الطربيزة وشَيل الصينة – تجهيز الموية – ومنو البجيب الزيادة..؟
صينية الغداء ذلك “البرلمان” المنزلي الصغير، تتم فيه مُناقشة مجريات اليوم بحضور الجميع.. فالتعليمات والملاحظات والتقرير اليومي “يُرفع” في وقت “الغداء” و”الحَردان” يتم في ذات التوقيت ولم نسمع بأنّ فلاناً يوماً حِرد “شاي الصباح واللّا الفطور”، ولكن حردة الغداء “محضورة” ومُسبّبة.. فالتوبيخ والإشادة عناوين جانبية وفرعية مُهمّة عند تلك “اللمّة” وأيضاً الطلبات ومُفاجآت الوالد السعيدة.. وشكوى الوالدة من ذوات “الرأس الناشف” و”الخمجانين وما بترسلو”.. يسود الهدوء ولا يُسمع سوى صوت مضغ الطعام، ثم بعض النظرات الخاطفة والسريعة بعدها يتسلّل الكلام رويداً رويدا في ذلك التوقيت، فتطفو على سطح “الصينية” الشكلات المكتومة بين “الإخوان والأخوات” وخصوصاً عند توبيخ “الأولاد”، تعقبها ضحكات وتعليقات “البنات”، ثم ردة الفعل العنيفة وتليها “بكية متقطعة”، ثم نحيبٌ، وتلك خطوات تكتيكية تقوم بها “الأخت” مفخخة “الدرب” وصولاً إلى مبتغاها وهي شكوى كاملة الدسم تصاحبها دفوعات “والله كنت بضحك براي”، ثم سرد طويل لقصص “ملف كامل” عن التعذيب والضرب ومُصادرة الحقوق “تُرفع” للسيد “الوالد” وذلك أثناء تغييرها لمكان جلوسها والالتصاق بجانبه.. فالوالدة “لا تمر” عليها تلك الحِيل” والألاعيب وغالباً ما يأتي تعليقها “بنهرة” صارمة “ما أخوك” وخايف عليك.
موسيقى عالم الرياضة ودقات ساعة أم درمان إضافةً إلى “ضل الحيطة” كلها مواقيت معتمدة “للغداء”.. ونقاش الغداء يشمل ترتيبك السنوي في الفصل ونتائج نهاية العام ومسيرتك الدراسية والمهنية بسؤال يحمل الحميمية والصرامة “أها شغلك ماشي كيف”..؟
صينية الغداء رابط أسري ومنبر نقاش وتربية وحصة للسلوك المُتحضِّر في آداب المائدة نفتقدها اليوم بشدة.. وحيّا الله تلك الأيام.
كمال علي
صحيفة الصيحة