أحمد يوسف التاي يكتب: مجلس الشركاء .. الانقلاب الثاني

بإلقاء نظرة فاحصة لمعطيات تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية والظروف السياسية المحيطة بهذا التكوين يستطيع المراقب السياسي قراءة المشهد بوضوح تام ، وطبقاً لكثير من المعطيات ، وقرائن الأحوال يمكن توصيف قرار تكوين المجلس على أنه أشبه بمحاولة الانقلاب العسكري على «الملامح المدنية» في حكومة الفترة الانتقالية ، وتُعد هذه هي المحاولة الانقلابية الثانية بعد الأولى التي جاءت عقب فض الاعتصام وإعلان وقف التفاوض مع المدنيين ، وهي المحاولة التي نجحت في إبعاد قوى الحراك الثوري من مراكز اتخاذ القرار لبرهة من الوقت وكرست لهيمنة المجلس العسكري على مقاليد الأمور بعد السيطرة على الإعلام الرسمي الذي أمعن في إشانة سمعة الثوار من خلال برنامج «خفافيش الظلام» في محاولة للحط من قدر الثوار وتشويه سمعتهم ، إلى جانب محو الجداريات التي توثق للبطولات الشبابية الثورية، بالإضافة إلى حملة الاستقطاب الواسعة للإدارات الأهلية وزعماء العشائر والتي اهدر فيها المجلس العسكري والدعم السريع أموالاً طائلة في الحشود، وأهدى السيارات لزعماء القبائل والنُظّار، إلا أن مسيرة 30 يونيو أعادت القوى الثورية المدنية إلى وضعها الطبيعي بينما تراجع المجلس العسكري عن مواجهة الشارع السوداني الثائر الذي أبدى تأييداً واسعاً للقوى المدنية الثورية…
بقراءة متأنية لمجريات الأحداث التي تواترت غداة الحادي عشر من أبريل 2019 بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني، يدرك المراقب أن اللجنة الأمنية لنظام الرئيس المخلوع ظلت حاضرة في المشهد وتمارس نشاطاً سياسياً أمنياً تاكتيكياً وتحركات ومناورات عالية جداً، إذ أبدت مرونة وتأييداً مطلقاً لاتجاهات الشارع الثورية واستجابت لمطالب الثوار الخاصة برفضهم لبعض الشخصيات القريبة من النظام المخلوع أمثال ابن عوف، وزين العابدين وغيرهما، بينما سارع بقية أعضاء اللجنة الأمنية بالانسحاب من المشهد أمثال قوش وكمال عبد المعروف ونحوهما، كل ذلك بدا أشبه بحالة إحناء الظهر للعاصفة الثورية ريثما تمر خاصة وأن سيطرة الثوار المعتصمين على منطقة الاعتصام كانت قد شلت حركة الحياة على نحو أزعج المجلس العسكري ، إلى أن ضاق ذرعاً بالمعتصمين وفض اعتصامهم بالقوة و»حدث ما حدث».. كل ذلك يعكس محاولات المكون العسكري إقصاء المدنيين من المشهد وبتاكتيك ظاهر ومخادعة بيِّنة…
عملية فض الاعتصام وما تلاها من أحداث وتحركات وإيقاف التفاوض مع القوى المدنية كانت بمثابة انقلاب عسكري كامل الأركان… المجلس العسكري الذي انقلب وقتها على الشركاء المدنيين ذهب بعد فض الاعتصام في اتجاه البحث عن حاضنة سياسية بديلة لقوى الحرية والتغيير فاتجه نحو الإدارات الأهلية وزعماء العشائر وحشدهم في صعيد واحد لتأييد الانقلاب كما استعان بنقابات النظام المخلوع ورفض حلها واستقوى بها إلى أن جاء موكب 30 يونيو الذي أوقد جذوة الثورة مجدداً وأيقظ الروح الثورية…
لم يعد خافياً أن المكوِّن العسكري في الحكومة الانتقالية ظل يتحين الفرص لإبعاد قوى الثورة المدنية وقصقصة أجنحتها وتقليم أظافرها والعمل على تعويق أدائها وإفشالها وإضعافها والتغول على أدوارها ووضع العقبات أمامها لإظهارها بمظهر الفاشل وقد نجح في ذلك كثيراً، يفعل كل ذلك لإيجاد مبررات لإقصائها والانقلاب عليها ، ولعله الآن قد جاءته السانحة الثمينة بعد سلام جوبا ، حيث وجد في الحركات المسلحة وقواعدها حاضنة بديلة شجعته على محاولة الانقلاب الثانية… السؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: هل سيتحرك الشارع السوداني الآن لإعادة الأمور إلى نصابها ويُفشل الانقلاب الثاني مثلما أفشل محاولة الانقلاب الأولى بعد مجزرة فض الاعتصام ؟ أم أن الشارع الآن استكان واستسلم لكثرة الضربات والفواجع وحالة الإحباط العام ؟..الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن السؤال أعلاه وغيره من الأسئلة الحيرى… اللهم هذا قسمي فيما املك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.

أحمد يوسف التاي – صحيفة الانتباهة

Exit mobile version