انتهاء زمن “سرير العنقريب” في مصر والسودان

قبل سنوات وفي أقصى جنوب مصر، كان يجلس عم إسماعيل، حرفي (سرير العنقريب) ليضع حبال الليف وسعف النخيل على أخشاب طولية لإعداد هذا السرير

ولكن فجأة وبدون مقدمات اختفى الرجل الذي كان يعد آخر الحرفيين العاملين في هذا المجال، ومعه تختفي هذه الحرفة من مصر، دون أن تنتقل لأجيال جديدة، فالرجل على ما يبدو لم يجد من لديه شغف بمعرفة المزيد عنها.

وفي موسوعته عن الاقتصاد الإبداعي المندثر، وثق أسامة غزالي، الباحث في التراث، تفاصيل الحرفة من متابعة آخر الحرفيين، والذي لا يعرف من اسمه سوى (عم إسماعيل).

ويقول أسامة لـ”العين الإخبارية”: “شاهدته في إحدى قرى إدفو بصعيد مصر قبل سنوات قريبة، حيث كان يجلس أمام عشته البسيطة جامعا كمية من الغاب والخوص وليف النخيل، ليقوم بفتل أو جدل الخوص والليف بإصبع يديه وأرجله بشكل فطري لصناعة أحزمة طويلة من الحبال اليدوية”.

ومع غروب اليوم، يجمع عم إسماعيل كمية الحبال المجدولة لحفظها منقوعة في ماء داخل ماجورة من الفخار بداخل عشته البسيطة، للحفاظ على مرونتها، ليبدأ مع بداية يوم جديد المرحلة الأهم، وهي استخدامها في صناعة السرير، وهي المرحلة التي يتعاون فيها مع نجار القرية.

ويقول غزالي: “كان النجار يخرج على أطراف القرية قاصدا أحد اشجار السنط العتيقة المستلقية على أطراف الأراضي الزراعية، ليختار بعضا من فروعها القليلة، ليقوم بقطعها بفأسه الصغير، ومن ثم بدء التجهز بورشته، حيث يجهز بأدواته البسيطة المدادات العرضية وأرجل السرير”.

ويضيف: “مع تركيب الهيكل الأساسي بشكل متداخل بدون استخدام مسامير، بل بمجرد تعشيق بين الأخشاب بشكل إبداعي فطري، يعتلي عم إسماعيل أخشاب السرير ويبدأ في ربط الحبل بأحد أعمدته، ويبدأ في الحبك والربط المتداخل ذهابا وإيابا بالعرض أولا ثم طوليا، وفي وسط الحبك والجدل يقوم بتنفيذ بعض التداخلات لتضيف شكلا جماليا و متانة أيضا لحبكة الحبال”.

ومع اكتمال جاهزية السرير ينتظر عم إسماعيل زبائنه من أهل القرية الذين طلبوا منه إعداد السرير، وذلك لاستلامه ودفع الأجرة المقررة التي أحيانا تكون بعضا من الغلال والبلح.

ولا يعرف الغزالي السبب في إطلاق اسم (العنقريب) على السرير، ولكنه يعتقد أنها جاءت من الشكل المتداخل الغريب لهذا الهيكل الحرفي الفني المختلف، ولكن يؤكد أن هذا الاعتقاد هو مجرد محاولة تقريب للمعني، ولكن بالتاكيد للكلمة دلالة من لغة قديمة.

ويقول الغزالي إن بتقاعد عم إسماعيل، غربت شمس سرير العنقريب في مصر، والذي استخدم على نطاق كبير جنوبي البلاد منذ آلاف السنين، وبشمال السودان، وعرفته حضارة النوبة، وانتقل أيضا إلى القبائل شرقا وقبائل البجة بشرقي مصر والسودان، ولا يزال حتى الآن هناك سوقا باسمه بالسودان و كان له ركنا مميزا قديما بسوق دراو بأسوان

بوابة العين الأخبارية

Exit mobile version